تشاد.. التجاهل العربي والاحتواء الإسرائيلي

30 نوفمبر 2018

إدريس ديبي ونتنياهو.. علاقات أمنية وسياسية متقدمة (25/11/2018/الأناضول)

+ الخط -
لم تكن زيارة الرئيس التشادي، إدريس ديبي، إسرائيل، الأسبوع الحالي، والحديث عن إعادة التطبيع بين بلاده والدولة العبرية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية 46 عاما بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، مفاجئة لخبراء ومختصين عديدين في الشأن الأفريقي، بل كانت كاشفة لجهود دبلوماسية قادها مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، دوري غولد، قبل سنتين، وكانت المشكلة في حينها تتعلق بالتوقيت فقط، سيما أن التعاون بينهما، خصوصا في الجانب العسكري مستمر، منذ فترة طويلة، خصوصا مع بروز أزمة إقليم دارفور في غرب السودان، عام 2003، والدعم الغربي والإسرائيلي لقبائل الزغاوة الأفريقية التي ينتمي إليها ديبي، في مواجهة قبائل عربية مدعومة من الخرطوم، ومليشيا الجنجويد. ومنذ عام 2005، بات هناك حديثٌ خفي عن إمكانية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب وأنجامينا، وتردد حينها أن مركبات مدرعة خفيفة إسرائيلية الصنع وصلت إلى تشاد عام 2006، وأن جانبا منها وصل إلى دارفور.
ويرجع التركيز الإسرائيلي على تشاد إلى عدة اعتبارات، أهمها ضيق المساحة، الرغبة في سلخها عن محيطيها، العربي والإسلامي، بل واستعمالها أداة في خاصرة دول الجوار، أو حتى جسرا للتطبيع معها، فتشاد دولة ذات أغلبية مسلمة، والعربية لغة رسمية كما الفرنسية، كما تجاور دولا عربية لطالما أعلنت رفضها للتطبيع، وهي ليبيا معمر القذافي، وسودان عمر البشير، فضلا عن مجاورتها دولا إسلامية، كالنيجر ونيجيريا (أكبر دولة إسلامية)، والكاميرون. وعلى الرغم من هذه المجاورة، وبدلا من السعي العربي إلى احتوائها، وضمها 
لجامعة الدول العربية، كإحدى دول الجوار، ولانطباق شروط العضوية عليها وفق الأمين العام الأسبق للجامعة، عمرو موسى، عام 2010، كان هناك تجاهل لفكرة الاحتواء، بل أكثر من ذلك، كانت هناك مناوشات حدودية وصلت إلى درجة الحرب معها، كما حصل مع ليبيا القذافي في ثمانينات القرن الماضي بشأن شريط أوزو الحدودي، فضلا عن الاتهامات المتبادلة مع الخرطوم بدعم كل منهما المتمرّدين في الدولة الأخرى، خصوصا مع اندلاع أزمة دارفور.
وبالتالي باتت تشاد مخلب قط، وأداة للعامل الخارجي في مواجهة الدول العربية، سواء في أزمة دارفور، أو حتى فيما يحدث في ليبيا الآن، إذ تدعم قوات خليفة حفتر، بل وما يتردّد من وجود قوات نظامية تشادية تقاتل معه عبر الحدود، خصوصا في مناطق الجنوب، على الرغم من مخالفة ذلك قرارات الاتحاد الأفريقي الداعمة لحكومة الوفاق. بل أكثر من ذلك، استخدمت بعض الدول العربية أنجامينا في مواجهة دول عربية أخرى، فقد قطعت علاقاتها مع الدوحة، ولوحظ أن القرار جاء بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنجامينا العام الماضي. والآن تقدم تشاد أوراق اعتمادها أمام إسرائيل دولة إسلامية معتدلة، تؤيد الإسلام الصوفي المدعوم إماراتيا، وتواجه الجماعات الإسلامية المتشدّدة، مثل بوكو حرام التي نفذت عملياتٍ لها على الحدود مع نيجيريا، بل وداخل تشاد نفسها، وداعش والقاعدة. وتشارك بقوات لها في عمليات حفظ السلام في أفريقيا الوسطى ومالي ، فضلا عن أنها إحدى الدول الخمس في غرب أفريقيا التي تعمل على مواجهة هذه التنظيمات، عبر القوة المشتركة مع فرنسا، وبدعم وتأييد أميركي وإسرائيلي أيضا.
ولم يكن اختيار إسرائيل التطبيع مع تشاد في هذا التوقيت اعتباطا، وإنما وفق خطة مدروسة قائمة على سياسة النفس الطويل، عبر عنها المدير العام لوزارة الخارجية، يوفال روتم، لصحيفة التايمز الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول الماضي، حين قال "الرحلة إلى أفريقيا طويلة. وسوف يستغرق الأمر سنوات، وتتطلب منا الاستثمار والمثابرة. وعلى طول الطريق، ستكون هناك عقبات، لكننا سوف نتغلب عليها". وبحسب بيان للخارجية الإسرائيلية، فإن لتل أبيب علاقات دبلوماسية مع 45 دولة أفريقية، جديدها مع غينيا ذات الأغلبية المسلمة عام 2016، ثم يرتفع إلى 46 مع تشاد. ومعنى هذا أن ثماني دول أفريقية فقط ليس لها تطبيع رسمي معها، ست عربية، ليبيا والجزائر والمغرب والسودان والصومال وجيبوتي، واثنتان أفريقيتان، مالي والنيجر. وبإمعان النظر في هذه الدول، تجاور تشاد ثلاثا منها، السودان وليبيا والنيجر المجاورة لمالي أيضا. وإذا استبعدنا ليبيا مؤقتا بسبب ظروف الحرب.
وإلى حين معرفة وضع حفتر الذي لا يمانع في دعم إسرائيل له، يمكن أن تلعب تشاد دور
الوساطة في التطبيع مع السودان أو النيجر. وإذا كان النظام السوداني يرفض أيضا فكرة التطبيع، خصوصا أن بالونات الاختبار التي أطلقتها الصحافة الإسرائيلية لتفسير تصريح نتنياهو إنه سيزور دولا عربية قريبا فشلت، فربما يكون الدور القادم في التطبيع على النيجر، الدولة المسلمة الفقيرة التي تمتلك كميات كبيرة من اليورانيوم، لكنها تعاني التهميش أيضا من منظمة التعاون الإسلامي. لن تمانع في التطبيع مع إسرائيل، خصوصا أن لدى دول غرب أفريقيا، بما فيها الدول الإسلامية الكبرى، كنيجيريا، علاقات مع تل أبيب التي شاركت العام الماضي، وللمرة الأولى في قمة منظمة إيكواس لغرب أفريقيا، ولاقت ترحيبا كبيرا آنذاك من هذه الدول، بل وكانت على وشك عقد أول قمة إسرائيلية أفريقية في توغو في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، لولا ظروف لوجيستية وأمنية خاصة بدولة المقر. ثم يأتي الدور على آخر دولة أفريقية إسلامية لم تطبع مع إسرائيل، وهي مالي، سيما وأنها، مثل تشاد، تواجه "داعش" وتنظيم القاعدة، فضلا عن معاناة نظامها على كل الصعد. وبالتالي، قد يسعى النظام في باماكو أيضا إلى تقديم أوراق اعتماده في تل أبيب، للحصول على العوائد التكنولوجية والدعم التقني، فضلا عن الرضى الأميركي... وبالطبع، قد لا يلوم أحد الأفارقة على هذه الهرولة وهذا التطبيع، فقد سبقهم بعض الدول العربية والإسلامية، فضلا عن دول أخرى في الطريق، وفق تصريحات نتنياهو أخيرا.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.