لا تصبّ تسريبات مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخيرة، والمتعلقة بمواقفه من دول الخليج، إلا في إطار تعميق أزمات النظام الحالي في مصر، وخفض أسهم السيسي الذي تتراجع شعبيته لدى قطاع واسع من مؤيديه، على خلفيّة القرارات المتلاحقة التي يتخذها.
وتُسقط التسريبات التي تنشر على حلقات منذ أشهر عدّة، القناع الذي ارتداه السيسي منذ انقلاب الثالث من يوليو، على الرغم من ادعاء رئيس الحكومة، إبراهيم محلب، أن هذه التسريبات "لن تنال من الجبهة الداخلية، ولن تؤثر في معنويات المصريين". كما تكشف الكثير من خبايا وأسرار المرحلة الانتقالية حتى وصول السيسي إلى سدّة الحكم قبل عدة أشهر.
وكانت قناة "مكمّلين" الفضائية، بثّت تسريباً جديداً منسوباً إلى السيسي، خلال تولّيه منصب وزير الدفاع، قبل أيام من ترشحه إلى رئاسة الجمهورية، يكشف حواراً بينه وبين مدير مكتبه آنذاك عباس كامل وعضو المجلس العسكري محمود حجازي. ويناقش المتحاورون في التسريب، استراتيجية التعامل مع دول الخليج، في ما يتعلق بطلب منح مالية. ويطلب السيسي من كامل مناشدة رئيس الديوان الملكي السعودي السابق، خالد التويجري بالقول: "بص، تقوله احنا محتاجين عشرة يتحطوا في حساب الجيش والعشرة دول ساعة ما ربنا يوفقه وينجح هيشتغلوا للدولة"، ملمحاً إلى فوزه في انتخابات الرئاسة. ويتابع: "عايزين من الإمارات عشرة زيّهم والكويت عشرة برضه، ده بالإضافة لقرشين يتحطوا في البنك المركزي ويكمل حساب السنة بتاعة 2014". ورد عباس مازحاً: "هههههه ويغمى عليه ويغمى عليه"، قبل أن يجيبه السيسي متعجباً: "بتضحك ليه؟ الفلوس عندهم زي الرز، والمبلغ ده عند الإمريكان ولا حاجة".
وفيما يعني ظهور تسريبات مماثلة عن مكتب السيسي أنّ مراكز صنع القرار المصريّة ليست بمأمن عن كشف أسرارها، فإنّ تعامل الإعلام المصري، سواء الرسمي أو الخاص، والذي تدرّج بين التجاهل أحياناً كثيرة، والتندر والتقليل من التسريبات أحياناً أخرى، يعكس التخوف الشديد من انتشارها على نطاق واسع، بشكل يؤثّر سلباً في النظام الحالي، ويصبّ في مصلحة الرافضين للانقلاب على الشرعية.
وفي سياق متّصل، يقول أحد أساتذة الإعلام في جامعة القاهرة، متحفّظاً على ذكر اسمه لـ "العربي الجديد"، إنّ "تعامل الإعلام المصري مع قضيّة التسريبات يكشف تخوف النظام الحالي من إحداث مناقشة حول هذه التسريبات ووصولها إلى جموع الشعب المصري". ويرى أنّ "الإعلام بات الآن خاضعاً لأهواء الدولة ومصالح رجال الأعمال المالكين لها"، لافتاً إلى أن "الإعلام تعامل باستخفاف مع التسريبات، سواء الأخيرة أو التي ظهرت قبل شهور، فهو يلقي الضوء عليها بشكل بسيط في محاولة للتندر عليها بدعوى عدم صحتها".
ويشدد على أنّ "الإعلام في أحيان كثيرة يتجاهل الحديث عن هذه التسريبات، نظراً لخطورة ما تحتويه، خصوصاً أنّها تكشف حقيقة ترتيبات ما بعد الإطاحة بمحمد مرسي من سدة الحكم"، متحدّثاً عن "محاولة محاصرة انتشار هذه التسريبات، وهو أمر خاطئ تماماً، لأن وسائل الإعلام الحديثة أتاحت للجميع الاطلاع على كلّ ما هو جديد، حتّى لو لم تبثّه القنوات الفضائية".
وفي موازاة إشارته إلى أنّ "التأثير السلبي في النظام الحالي بفعل التسريبات حاضر أكيد، ولكن تأثيره ليس فورياً من ناحية بداية تشكيل الرأي العام مرة أخرى تجاه النظام الحالي"، يعرب عن اعتقاده بأنّ "الفاعل الرئيس الذي يمكن أن يدير الدفّة تجاه النظام الحالي هم الشباب، ويدرك المتابعون لمواقع التواصل، حجم انتشار هذه التسريبات وتأثيرها".
من جانبه، يتوقّف الخبير العسكري، عبد الحميد عمران، عند "خطورة انتشار هذه التسريبات ووصولها إلى مكتب السيسي"، لافتاً إلى أنّ "الأزمة تكمن في تسجيل هذه التسريبات في أكثر من واقعة، والتي يبدو أنّها على فترات، وهو أمر غاية في الخطورة". ويعتقد، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أنّ "من يسرّب هذه التسجيلات هو شخص من الداخل، والهدف منها هو إحداث وقيعة"، منتقداً كيف أنّ "أسرار الدولة باتت على المشاع، بغضّ النظر عن فحوى التسريبات، وهو أمر لم تعرفه مصر من قبل"، على حدّ تعبيره.
وتظهر التسريبات، وفق عمران، "وجود أكثر من جناح داخل النظام الحالي"، ويرى أنّها "لا تهدف إلا إلى إسقاط النظام شعبياً على الأقل"، مطالباً بـ "محاسبة دقيقة لمصدر هذه التسريبات، لا من الناحية السياسيّة فقط، وإنّما من ناحية إفشاء أسرار، يمكن أن تمتد إلى الأسرار العسكرية".
ويشدّد الخبير والمحلل السياسي، أمجد الجباس، على أنّ "التسريبات تكشف الوجه الحقيقي لما يحدث في مصر منذ الإطاحة بمرسي". ويعتبر، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أنّ "النظام الحالي بالتسريبات الأخيرة فقد حلفاءه من دول الخليج، في ظلّ توقّعات بوقف الدعم المالي الكبير عقب الثالث من يوليو/تموز، خصوصاً في ظلّ أزمة النفط العالمية".
ولا يستبعد الجباس أن يكون "مدير مكتب السيسي هو من كان يسيطر عملياً على الأحداث منذ الإطاحة بمرسي، وليس السيسي بذاته"، لافتاً إلى أنّ "التسريبات الأخيرة تثبت محاولة توريط السيسي دول الخليج في الأزمة الداخلية، ومحاولة ابتزازها لصالح الجيش". ويشدد على أنّ "الأموال التي حصّلها السيسي من دول الخليج لم يستفد منها الشعب المصري حتى الآن، باعتبار أنّ الاقتصاد المصري لا يزال في أسوأ حالاته".
ولا ينكر الجباس أنّ "السيسي ومدير مكتبه تلفّظا بألفاظ تضرّ بالعلاقة مع دول الخليج، وتعبر عن انتهازية شديدة والرغبة في الحصول على أموال بلا مقابل"، معتبراً أنّ "أي مسؤول في الدولة لا بدّ أن يكون حريصاً في حديثه، سواء في السرّ أو العلن".