تسرب مدرسي في عين الحلوة

25 سبتمبر 2018
بات عامل فرن (العربي الجديد)
+ الخط -
تلقي الضائقة المعيشية على كاهل الأهالي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا، جنوب لبنان، عبئاً كبيراً، فلا يعودون قادرين على تأمين مستلزمات أبنائهم الحياتية، من مأكل، وملبس، قبل الحديث عن مستلزمات التعليم.

جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قطع تمويل بلاده عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ليؤجج خوف الأهالي والتلاميذ على حدّ سواء، في عين الحلوة كما في غيره من مخيمات اللجوء الفلسطيني. ففي حال إغلاق مدارس "الأونروا" لن يجد التلاميذ أيّ أفق لمتابعة تعليمهم.

سبق عدد من الفتية الفلسطينيين هذه الاحتمالات، بمغادرة مقاعد الدراسة لأسباب مختلفة، أبرزها العمل. في كلّ الأحوال، يعتبر كثيرون أنّ إنهاء الفلسطيني في لبنان دراسته لن يفيده بشيء إذ إنّه ممنوع من العمل في معظم المهن التي يتخصص فيها.




محمد بلال ناصر، فتى فلسطيني، في السادسة عشرة، يسكن في منطقة الطوارئ المحاذية للمخيم، وهو من عكا بفلسطين. يعمل حالياً في فرن لبيع المناقيش. ترك محمد المدرسة بعدما أنهى الصف السابع الأساسي. كان والده قد تعرض لنكسة صحية أجبرته على ترك عمله، إلى أن توفي قبل ثلاثة أشهر، بعد معاناة دامت سنتين. يقول محمد: "عائلتنا مكونة من ثمانية أفراد، نعيش في بيت متواضع، في منطقة الطوارئ، والمنزل ملك لنا فلا ندفع إيجاراً. كان والدي يعمل في البناء، ومنذ مرضه، قررت ترك المدرسة والعمل، خصوصاً أنّني أدركت أنّ نهايتي في حال أكملت تعليمي، لن تكون أفضل من الشبان الذين يجلسون في المقاهي طوال الوقت، ولا يجدون فرصة عمل أبداً. أريد أن أساعد أهلي وأتعلم مهنة".

يتابع: "في البداية عملت في محل لبيع العصير، في منطقة التعمير، بصيدا، ثم انتقلت إلى مكان آخر. كنت أرغب في تعلم النجارة، لكنّ المهنة لم تعجبني إذ جربتها، ثم انتقلت إلى العمل في فرن لبيع المناقيش، في المخيم، فأحببت العمل. تركت المدرسة مجبراً، لكنّي اليوم أخاف على آلاف التلاميذ الذين قد يحرمون من التعليم، بسبب قرارات ترامب، فحين تغلق مدارس الأونروا، سينقطع أطفال المخيمات عن التعليم، فلا قدرة للأهالي على دفع حتى إيجار سيارة النقل التي تقلهم خارج المخيم، إذا ما كان البديل عن مدارس الأونروا هي المدارس الرسمية اللبنانية المجانية".

أحمد صغيّر، فتى فلسطيني آخر في السادسة عشرة، يعيش في مخيم عين الحلوة، وهو من الناعمة، قضاء صفد، بفلسطين. يعمل بائعاً في محل للسمانة (بقالة). بعد تركه المدرسة تعلم مهنة الزجاج، لكنّه لم يجد عملاً. هو ليس مضطراً للعمل إذ يعيش في كنف أسرة مكتفية مادياً، فوالده لديه محل صغير في الشارع الفوقاني للمخيم لبيع الأدوات الكهربائيّة، كما يتقاضى راتباً من حركة فتح، وهم في البيت أربع بنات، وشابان. يقول أحمد: "لم أكن أكره المدرسة، ولم أكن كسولاً، لكنّني كنت في الصف الثامن عندما تشاجرت مع مدرسي، فطُردت يومين، وبعدها صارت المشاكل تتكرر، فتركت المدرسة في الصف نفسه، لأتعلم بعد ذلك مهنة الأزّاز (صانع الزجاج) لكنّي لم أجد عملًا فيها. بدأت بعدها العمل في المحل هنا".

يتابع: "أمي تعمل في الأونروا، وتساعد والدي في مصروف البيت. إذا توقفت الوكالة، ستخسر أمي عملها ويتضرر وضعنا المعيشي. الأخطر في الأمر هي المدارس، فصحيح أنّني تركت المدرسة، لكنّني لا أشجع أيّ تلميذ على تركها، ولو اكتفى بالتعليم المتوسط فقط. إذا أوقفت الأونروا خدماتها، خصوصاً في ما يتعلق بالمدارس، فسيصير الأطفال عرضة للبقاء في الشوارع والجهل. الناس في المخيم ليس باستطاعتهم تعليم أولادهم، فهم بالكاد يستطيعون تأمين المأكل والمشرب، فما بالك بوضع أبنائهم في مدارس خارج المخيم أو مدارس خاصة؟".




ضياء سليمان، في الثانية عشرة، يسكن مع عائلته في المنشية، بعين الحلوة، وهو من بلدة عمقا، في فلسطين، لديه أختان، وأخ، ويعمل والده في البناء. منذ أيام قليلة فقط ترك المدرسة، أي مع بداية العام الدراسي الجديد، الذي بدأ في الأول من سبتمبر/ أيلول في مدارس الأونروا. يقول ضياء لـ"العربي الجديد": "أعرف أنّي لست ذكياً فلماذا أبقى في المدرسة وأنا لا أستوعب شيئاً؟ لا أجيد القراءة والكتابة. عرفت أنّ الأونروا قد تقفل مدارسها، لذلك سارعت إلى تركها بنفسي. وأعلم أنّ أهلي ليس في استطاعتهم تأمين بديل عن مدارس الأونروا إذ لا يملكون المال. هكذا سأبدأ في تعلم مهنة، من قبيل العمل في الألومنيوم مثلاً".
المساهمون