16 نوفمبر 2024
تسخين "صفقة القرن" في القدس وواشنطن
في الأخبار أن مستشار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصهره، جاريد كوشنير، والمبعوث جيسون غرينبلات، يتهيآن للقيام قريباً بجولة عربية، تحضيراً للإعلان عن صفقة ترامب المسماة صفقة القرن، قبل منتصف إبريل/ نيسان المقبل، وغداة انتهاء الانتخابات الإسرائيلية. كما تتزامن جولة المستشار والمبعوث المزمعة مع التحضيرات لعقد دورة جديدة للقمة العربية في تونس. وليس هناك على أي حال من طرف عربي رسمي يجازف بإعلان قبول الصفقة أو التعاطي الإيجابي معها، غير أن هناك من يتحدّث عن أن قضية فلسطين لا تمثّل أولوية، وأن مواجهة الخطر، أو التحدّي، الإيراني تجيز التطبيع مع دولة الاحتلال تحت باب تقاطع (التقاء) المصالح، وكما بيّنها لقاء "مؤتمر وارسو للأمن والسلام"، فيما يستعد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لزيارة واشنطن خلال مارس/ آذار المقبل، لاجتذاب مزيد من الدعم لسياساته، ولفُرص فوزه في الانتخابات.
على أن هذا الحراك السياسي والدبلوماسي، والمنتظر أن تزداد وتيرته في الأسابيع المقبلة، لا يرتدي من الأهمية الكثير، على الرغم مما يحفل به من إشارات سلبية، مقارنةً بالجموح الإسرائيلي في محاولة فرض وقائع على قلب القدس المحتلة، وبالذات على المسجد الأقصى ومحيطه في البلدة القديمة. ويبدو الاحتلال، في تغولاته الجديدة، كأنه يتمتع بغطاء دولي لتسويغ سلوكه، مستقوياً بالتسليم الأميركي، لتسمية الاحتلال للقدس عاصمة له، وذلك مع استخدام عباراتٍ فخمة وجوفاء، مثل مكانة القدس والسيادة عليها والقدس الموحّدة. وفي واقع الأمر، تم البدء في تنفيذ الصفقة العتيدة قبل الإعلان عنها، مع تسليم إدارة ترامب بالأمر الواقع في المدينة، والسعي إلى إضفاء شرعية على ما تم الاستيلاء عليه بالقوة الغاشمة. وما شهدته مداخل المسجد الأقصى، خلال الأسبوع الماضي، في محاولة للسيطرة عليها (بوابة الرحمة بالذات في الجدار الشرقي للمسجد)، ومنع المقادسة من أداء الصلاة في المسجد، وتحويل منطقة المسجد إلى ثكنة عسكرية، إنما يندرج في خطة للاستيلاء المتدرّج على المسجد، ومحاولة
تقسيمه على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وتشريع انتهاكات المستوطنين له، وتظهير المكان على أنه مُلك مشترك بين اليهود والمسلمين، فيما السيادة عليه هي لمن يملك السيادة على كامل القدس.
يعرف الإسرائيليون المكانة الروحية والوطنية للأقصى، ولهذا يبذلون كل ما تملك يمينهم من أنشطة لكسر الارتباط الروحي بهذا المكان، ويلحظون الردود العربية الخافتة والمتلعثمة، حين تصدر ردود فعلٍ ما عن هذه العاصمة أو تلك، حيال ما يتعرّض له بيت المقدس. ومع مواصلة الأنشطة الاستيطانية للإطباق العمراني والديمغرافي على المدينة المقدّسة، فإن حكومة نتنياهو ليست بحاجة إلى مزيد من الدعم الأميركي، متمثلاً في صفقةٍ قد تمنح الفلسطينيين وجوداً إدارياً في بعض أحياء المدينة، إذ إن سطوة العسكرة والتحكم في مداخل المدينة وفصلها عن بقية الضفة الغربية سيكفل السيطرة على المدينة وسرقة ما تبقّى من بيوت المقادسة في البلدة القديمة، فيما تتم المراهنة على أن الجانب الفلسطيني سوف "يُفسد" فرص التوصل إلى السلام، بقطع الاتصالات مع الإدارة الأميركية، ورفض الصفقة التي لن تتحمّس لها، ولن تُعلن موقفا إزاءها أحزاب اليمين الأكثر تطرفاً، ومنها تكتل الليكود الذي يقوده نتنياهو. والراجح أن تكتفي بإعلان الموافقة على ما يُرضيها في الصفقة، ولن يكون قليلاً أو هامشياً.
وفي غمرة الحديث عن مخاطر الصفقة وارتداداتها، وهو ما يتردد صداه واضحاً في فلسطين والأردن، كان لافتاً الإعلان قبل أيام عن تشكيل مجلس أردني فلسطيني لمتابعة شؤون القدس، يضم 18 شخصية، وفي الواقع أن المجلس كان قائماً وممثلاً في إدارة شؤون الأوقاف، والجديد أنه تمت توسيعه من 11 إلى 18 عضواً، والأعضاء الجدد يمثلون السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وبعضهم وزراء فلسطينيون سابقون، ومنهم وزير شؤون القدس الحالي، عدنان الحسيني. فيما شدّد وزير الأوقاف في حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، يوسف ادعيس، على أن هناك "جهوداً حثيثة ومتواصلة" على المستويين السياسيين، الأردني والفلسطيني، لمواجهة صفقة القرن. وصرّح ادعيس بأن الجهود الأردنية والفلسطينية تهدف إلى "وضع آليات وخطط لمواجهة أية خطة تهدف إلى تهويد مدينة القدس، خاصة صفقة القرن".
وكان مثيراً للانتباه أن دوائر صهيونية اعتبرت ما جرى أنه يمسّ بمكانة القدس، ويتناقض مع اتفاقية أوسلو! وفق ما أورد المحلل الإسرائيلي، يوحي بن مناحيم، لصحيفة "إسرائيل اليوم"، والذي ذكر أن تل أبيب تمتنع عن الاحتجاج على هذه الخطوة، خشية إثارة أزمة دبلوماسية مع الأردن. ولحساباتٍ أردنية، فإنه لم يُعلن في عمّان عن تشكيل هذا المجلس المشترك، على
الرغم من الإعلان عنه بصورة غير رسمية في رام الله. وليس خافياً أن التغوّل الإسرائيلي في القدس واستهداف الأقصى يمثّلان، في أحد جوانبهما، استخفافاً بالوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في المدينة. ومن شأن هذه الانتهاكات أن تتسبب في أزمة حقيقية بين الجانبين، علماً أن الانتهاكات ليست حديثة العهد، وتتم برعاية شرطة الاحتلال وبعض الوزراء والنواب الصهاينة. ويقف الرأي العام الأردني بقوة ضد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للاحتلال، وضد الانتهاكات المنهجية التي تستهدف الأقصى، وكذلك ضد الاستيلاء الإسرائيلي على أملاك مسيحية في المدينة، فيما تبرز محاذير من اشتمال صفقة ترامب على دعم اقتصادي "سخي" للمناطق الفلسطينية وللأردن على السواء، بهدف تمرير الصفقة، ولاحتواء موجات السخط المنتظرة على ضفتي نهر الأردن، وذلك لاستغلال الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، وكذلك استغلال تجفيف موارد السلطة الفلسطينية، ومنها استيلاء حكومة الاحتلال على أموال الجمارك العائدة للسلطة.
ولا شك أن تصليب الموقف الفلسطيني والأردني من الصفقة سيمثل عاملاً أساسياً في تفادي أي انزلاق عربي للتعامل معها بخفةّ، بالادعاء مثلاً أنه يتعيّن رؤية النصف الممتلئ من الكأس! إذ يُراد بالصفقة، في المقام الأول، تشريع الاحتلال، والحؤول دون نشوء كيانٍ سيادي فلسطيني، وتصفية قضية اللاجئين، والعبور من خلال ذلك من أوسع الأبواب إلى "تعاون عربي إسرائيلي" تكون فيه السيطرة للجانب الأقوى، ولمن يملك مشروعاً استراتيجياً للنفوذ والتوسّع، وليس لمن يفتقد أي مشروع قومي وإقليمي، ولمن تضطرب لديه بوصلة تحديد الأصدقاء والأعداء.
يعرف الإسرائيليون المكانة الروحية والوطنية للأقصى، ولهذا يبذلون كل ما تملك يمينهم من أنشطة لكسر الارتباط الروحي بهذا المكان، ويلحظون الردود العربية الخافتة والمتلعثمة، حين تصدر ردود فعلٍ ما عن هذه العاصمة أو تلك، حيال ما يتعرّض له بيت المقدس. ومع مواصلة الأنشطة الاستيطانية للإطباق العمراني والديمغرافي على المدينة المقدّسة، فإن حكومة نتنياهو ليست بحاجة إلى مزيد من الدعم الأميركي، متمثلاً في صفقةٍ قد تمنح الفلسطينيين وجوداً إدارياً في بعض أحياء المدينة، إذ إن سطوة العسكرة والتحكم في مداخل المدينة وفصلها عن بقية الضفة الغربية سيكفل السيطرة على المدينة وسرقة ما تبقّى من بيوت المقادسة في البلدة القديمة، فيما تتم المراهنة على أن الجانب الفلسطيني سوف "يُفسد" فرص التوصل إلى السلام، بقطع الاتصالات مع الإدارة الأميركية، ورفض الصفقة التي لن تتحمّس لها، ولن تُعلن موقفا إزاءها أحزاب اليمين الأكثر تطرفاً، ومنها تكتل الليكود الذي يقوده نتنياهو. والراجح أن تكتفي بإعلان الموافقة على ما يُرضيها في الصفقة، ولن يكون قليلاً أو هامشياً.
وفي غمرة الحديث عن مخاطر الصفقة وارتداداتها، وهو ما يتردد صداه واضحاً في فلسطين والأردن، كان لافتاً الإعلان قبل أيام عن تشكيل مجلس أردني فلسطيني لمتابعة شؤون القدس، يضم 18 شخصية، وفي الواقع أن المجلس كان قائماً وممثلاً في إدارة شؤون الأوقاف، والجديد أنه تمت توسيعه من 11 إلى 18 عضواً، والأعضاء الجدد يمثلون السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وبعضهم وزراء فلسطينيون سابقون، ومنهم وزير شؤون القدس الحالي، عدنان الحسيني. فيما شدّد وزير الأوقاف في حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، يوسف ادعيس، على أن هناك "جهوداً حثيثة ومتواصلة" على المستويين السياسيين، الأردني والفلسطيني، لمواجهة صفقة القرن. وصرّح ادعيس بأن الجهود الأردنية والفلسطينية تهدف إلى "وضع آليات وخطط لمواجهة أية خطة تهدف إلى تهويد مدينة القدس، خاصة صفقة القرن".
وكان مثيراً للانتباه أن دوائر صهيونية اعتبرت ما جرى أنه يمسّ بمكانة القدس، ويتناقض مع اتفاقية أوسلو! وفق ما أورد المحلل الإسرائيلي، يوحي بن مناحيم، لصحيفة "إسرائيل اليوم"، والذي ذكر أن تل أبيب تمتنع عن الاحتجاج على هذه الخطوة، خشية إثارة أزمة دبلوماسية مع الأردن. ولحساباتٍ أردنية، فإنه لم يُعلن في عمّان عن تشكيل هذا المجلس المشترك، على
ولا شك أن تصليب الموقف الفلسطيني والأردني من الصفقة سيمثل عاملاً أساسياً في تفادي أي انزلاق عربي للتعامل معها بخفةّ، بالادعاء مثلاً أنه يتعيّن رؤية النصف الممتلئ من الكأس! إذ يُراد بالصفقة، في المقام الأول، تشريع الاحتلال، والحؤول دون نشوء كيانٍ سيادي فلسطيني، وتصفية قضية اللاجئين، والعبور من خلال ذلك من أوسع الأبواب إلى "تعاون عربي إسرائيلي" تكون فيه السيطرة للجانب الأقوى، ولمن يملك مشروعاً استراتيجياً للنفوذ والتوسّع، وليس لمن يفتقد أي مشروع قومي وإقليمي، ولمن تضطرب لديه بوصلة تحديد الأصدقاء والأعداء.