تزييف وعي الجيوش

03 نوفمبر 2014
+ الخط -

كانت انطلاقة الربيع العربي، وتجليات أحداثه، كاشفة ليس عن دمويَّة أنْظِمة الاستبداد فحسب، بل عن هشاشة مكونات تلك النُظُم، ومن ذلك، المؤسّسة الأكثر اعتبارية، ومحط تقدير شعوب تلك البلدان، وهي المؤسّسة العسكرية. فتلك الجيوش لم تكن أداة القمع المباشر، والذي كان مُلقىً على عاتق أجهزة الأمن الداخلي، بمختلف أشكالها، حيث لم يُرد لها الانغماس في السياسة خوفاً منها، مع أنها دخلت السياسة بالانقلابات العسكرية، إلا أن قياداتها هي من كانت تمارس السلطة، متخذة من القوة المسلحة حامية لها وشرعية لوجودها.

وهذه القيادات حيدت جيوشها بإضعاف قدراتها العسكرية من جهة، وتكبيلها بالتسلط الأمني والاستخباراتي بداخلها من جهة أخرى، حتى تأمن جانبها من أي انقلاب مُحتمل. كما طال الفساد، المُستشري في تلك الأنظمة منذ عقود، المؤسّسة العسكرية، فدخلت في نطاق المصالح الخاصة والولاءات الشخصية لمتنفذي الحكم ومنتفعيه. ذلك ما يفسر مقاومتها حركة التغيير بعد الربيع العربي، بشكل عنيف، أو بالانقلاب، أو التماهي مع أهداف الثورة المضادة. فالواقع الراهن في كل الدول المُشبعة بالصراعات، والتي تنشط على أراضيها المجموعات المسلحة بانتماءاتها العابرة للحدود، هو نتاج فشل تلك الجيوش التي لم تتحرك قوة لدولة، بل أداة لسلطة تختزل كيان الدولة في وجودها ومصالحها. فصورة ذلك الضعف والترهل للجيوش العربية، تجلَّت في مشاهد عديدة، من ممارسة القتل والإبادة المباشرين، أو قمع التظاهرات وتهجير المواطنين، أو التفرغ لقمع اللاجئين والتنكيل بهم بدعاوى واهية، أو ترك البلاد لميليشيا مسلحة، تلتهمها بكل سهولة، من دون أنْ تحرك ساكناً، لتكون المحصلة لذلك واحدة؛ حيث فقدان المواطن الثقة فيها، وفي بعض الحالات، يجدها عدواً له، وذلك كله يعمق الاضطراب السياسي أكثر وأكثر.

مع ذلك، يصعب وصم أفراد تلك الجيوش بعديمي الانتماء، لكن الإشكالية تكمن فيما يُصور لهم من قياداتهم على أنه مهمة وطنية، وأنّ المستهدف عدو الوطن، ولو كان من مواطنيهم. فسقوط الأنظمة وفشل مؤسساتها في عالمنا العربي هو حصيلة إرثٍ متراكم منذ عقود، من ظلامِيَّة وعبثيَّة الاستبداد، وهنا، تكمن خطورة استمراره، لأنه سيحمل الأسوأ دوماً.

79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)