تزايد الضغوط على داعمي حفتر.. ومساع دبلوماسية تونسية لوقف النار وإنهاء الأزمة
مع احتدام المعارك في ليبيا وتردي الوضع الإنساني بشكل متصاعد، تراجعت آمال وقف الاقتتال وسط توقعات بأن تكون الحرب طويلة، مع أن مصادر ديبلوماسية في تونس أكدت لـ"العربي الجديد"، أنه ستكون هناك مهلة زمنية محددة ستتغير معها المواقف الدولية المؤيدة للواء خليفة حفتر، خصوصا أن آماله في السيطرة على العاصمة بسرعة تبيّن أنها أوهام أسقطتها المقاومة المحلية، ولا يمكن أن تستمر محاولاته إلى ما لا نهاية، فيما سيشكل تدهور الوضع الإنساني وسقوط الضحايا ضغطا على داعميه يتزايد يوميا.
ويأتي نفي المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" الليبية، مساء الأربعاء، تقديمه طلباً لوقف إطلاق النار في طرابلس، وإصراره على "موقفه الثابت والمعلن في صدّ العدوان على العاصمة طرابلس وإرجاع القوات المعتدية الى قواعدها الأصلية"، ليؤكد أن "بركان الفرات"، بصدد إحراز تقدم ميداني وتزايد ثقتها بالعودة إلى ما قبل اتفاق أبوظبي.
ونقل المتحدث باسم حكومة "الوفاق"، مهند يونس، خلال مؤتمر صحافي، عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، "رفضه أي حديث عن وقف إطلاق النار أو حل سياسي قبل دحر القوات المعتدية وإرجاعها من حيث أتت"، مؤكداً أن "الحوار السياسي منذ الآن سيكون على أسس جديدة".
كلام السراج المنقول عنه يشير بشكل واضح إلى تغير المعادلة السياسية في الحل الليبي، تؤيده المتغيرات على الأرض وتأتي ردا على داعمي حفتر وخصوصا فرنسا.
وفي مكالمة هاتفية بين وزير الشؤون الخارجية التونسية، خميس الجهيناوي ونظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، مساء أمس الأربعاء جرى الحديث عن "أهمية تنفيذ مخرجات لقاء أبوظبي بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر نهاية شهر فبراير المنقضي، والتي أكدت على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة قبل نهاية 2019، وعلى الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها".
ويؤشر الحديث عن اتفاق أبوظبي إلى ضمانة فرنسية لتمكين حفتر كتابيا من المؤسسة العسكرية في أي اتفاق سياسي قادم، وهو ما دفعه، بحسب مصادر ديبلوماسية، إلى تقويض الحوار الليبي الجامع في غدامس قبل أيام، الذي كان سيجعل منه طرفا أقليا، وكان يعتقد أنه سيفرض بالقوة شروطه للتفاوض قبل أن تبيّن حقيقة الأرض أن هذا التفوق غير مضمون كما كان يعتقد هو وكثير من حلفائه، ولذلك تتحدث تقارير عديدة متقاطعة عن محاولة دعمه بإمدادات عسكرية جديدة يمكن أن تغير من ميزان القوى على الأرض في أسرع وقت، ولكن الكلفة الإنسانية والسياسية لذلك ستكون كبيرة جدا.
وطالب الوزيران أيضاً "المجموعة الدولية ببذل مزيد من الجهود من أجل حث مختلف الأطراف الليبية على الوقف الفوري للاقتتال". وأكدا في هذا الصدد على الدور المحوري للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا غسان سلامة في رعاية المساعي الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية".
ودعا سلامة، خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير خارجية إيطاليا إنزو موافيرو، الأربعاء، إلى استمرار بعثته في مساعيها لجمع أطراف الصراع من أجل التوصل إلى اتفاق قبل بدء شهر رمضان المبارك.
ويأتي الحديث عن وقف فوري لإطلاق النار ومحاولة التوصل إلى اتفاق قبل شهر رمضان متماهيا مع دعوات في تونس تتحدث عن مساع لتحقيق هدنة إنسانية في أقرب وقت ممكن وبالتزامن مع دخول شهر رمضان، وفسح المجال للمنظمات الإغاثية للتدخل وإغاثة المرضى وتقديم المساعدات الإنسانية.
وتتزايد أعداد القتلى في المعارك وتقترب من ثلاث مائة قتيل بالإضافة الى مئات الجرحى جراء الاشتباكات الدائرة في ضواحي العاصمة طرابلس، بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في ليبيا، وتقارير الصليب الأحمر التي تشير إلى احتدام الأزمة الإنسانية.
ويأتي الرهان على شهر رمضان بسبب خصوصيته الاجتماعية في ليبيا وإمكانية تسليط ضغوط من القبائل الليبية التي يبقى تأثيرها كبيرا في المشهد السياسي والعسكري، وتحدثت مصادر في تونس عن إمكانية عقد اجتماع للقبائل الليبية نهاية هذا الشهر في سرت، في انتظار تأكيده.
ويأتي الاصطفاف الديبلوماسي الدولي بشكل أكثر وضوحا في الآونة الاخيرة، دوليا وإقليميا، حيث تراجع الحماس بشأن الجهود الثلاثية بين تونس والجزائر ومصر، خصوصا أن القاهرة أدارت ظهرها لتونس والجزائر ونظمت قمة أفريقية الثلاثاء، طالبت مبعوث الأمم المُتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، بالتواصل مع كافة أطراف النزاع في ليبيا والتعاون مع الاتحاد الأفريقي.
ويبدو أن تونس تلقت الرسالة بوضوح، ودعت وزير الشؤون الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، يوميْ 25 و26 إبريل، لزيارة عمل إلى تونس، لبحث المسائل والمستجدات في المنطقتيْن المغاربية والعربية، وخاصّة التطورات الخطيرة في ليبيا، فضلا عن استعراض الجهود والمبادرات الهادفة إلى تفعيل اتحاد المغرب العربي.
ويشار إلى أن زيارة بوقادوم هي أول زيارة خارجيّة على الصّعيد الثّنائيّ منذ تسلمه لمهامه على رأس الدّبلوماسيّة الجزائريّة.
وينبغي التذكير بأن تونس بذلت على امتداد السنوات الأخيرة جهدا كبيرا لإقناع القاهرة بضرورة الحل السلمي في ليبيا، وحاول الرئيس الباجي قائد السبسي إقناع نظيره المصري بضرورة توحيد الجهود الثلاثية في هذا الملف والعمل على حل ليبي ليبي هو الوحيد لحل الأزمة، ولكن كل تلك المحاولات ذهبت سدى بسبب التناقض الكبير في المصالح بين البلدين، إذ يتباين الحياد التونسي بشكل كبير مع الاصطفاف المصري للمعسكر الإماراتي السعودي الفرنسي، الذي انضم إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد مكالمته الأخيرة مع حفتر، دون إغفال الدور الروسي الذي أصبح متقاطعا في الآونة الأخيرة.
ولكن الواقع على الأرض شجع السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، بتوجيه اتهام مباشر لفرنسا بدعم حفتر الذي بدأ في الرابع من إبريل هجوما عسكريا على طرابلس.
وقال السراج في مقابلة مع صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية الأربعاء "نحن متفاجئون لأن فرنسا لا تدعم حكومتنا بل تساند ديكتاتورا"، وذلك بعدما أدلى بتصريحات مماثلة قبل يوم لصحيفة "لوموند".
وأضاف "عندما اتصل بي (الرئيس الفرنسي) إيمانويل ماكرون (في الثامن من إبريل)، أبلغته بأن الرأي العام في طرابلس هو ضد فرنسا. لا نريد أن يكره الليبيون فرنسا. فرنسا ما زال لديها دور إيجابي ومهم لتلعبه في ليبيا".
وكان وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا اتهم علنا الأسبوع الماضي السلطات الفرنسية بدعم "المجرم حفتر"، في تصريحات كررها بعد ذلك رئيس الوزراء.
ونفت فرنسا اتهامات حكومة الوفاق، مؤكدة أن "لا أساس لها من الصحة"، وجددت دعمها "للحكومة الشرعية لرئيس الوزراء فايز السراج ووساطة الأمم المتحدة من أجل حل سياسي شامل في ليبيا".
من جهة أخرى، قلل السراج من أهمية الدعم الذي عبر عنه الرئيس ترامب لحفتر. وقال "بالنسبة إلينا، موقف وزير الخارجية الأميركي هو المهم وقد دعا خليفة حفتر بالاسم إلى وقف المعارك".
وكان ترامب أعلن أنه أجرى محادثات هاتفية مع حفتر حول "رؤية مشتركة" من أجل ليبيا، ورحب "بدوره الكبير في مكافحة الإرهاب وضمان أمن موارد النفط في ليبيا".
وتحاول تونس إقناع بقية جهات المجتمع الدولي بوجهة نظرها وتسليط ضغوط أممية وتشكيل رأي عام دولي مساند للحل السلمي، وأكد الجهيناوي ونظيرته السويدية، الخميس، على ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا ووضع حد للتصعيد العسكري واستعادة المسار السياسي الجاري تحت رعاية الأمم المتحدة.
ويبدو أن تونس، المهددة أكثر من غيرها بانفجار الوضع في ليبيا، لا تريد أن تستسلم لهذا الهيجان الدولي في دعم الحرب، وتحولت في الأيام الاخيرة إلى قاعدة كبيرة للتحركات الديبلوماسية المتواترة والاتصالات مع الأطراف الليبية المتنازعة، متمسكة بالقدر الممكن بحيادها لإمكانية لعب دور في المستقبل يتيح إنهاء الأزمة، خصوصا مع اقتراب أصوات المدافع من حدودها ومخاوف تسلل الأسلحة والأشخاص عبرها، متمسكة بسيادتها إزاء بعض التجاوزات الغربية، ومتشبثة بوجهة نظرها ومصالحها الداخلية.