تركيا وقمة "التعاون الإسلامي"

14 ابريل 2016

وزراء خارجية دول "التعاون الإسلامي" في اسطنبول (12 إبريل/2016/الأناضول)

+ الخط -
يوجّه انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، في دورتها الثالثة عشرة، الأنظار إلى تركيا، دولة إقليمية مهمة مجاورة للمشرق العربي وإيران وروسيا، ولها علاقات جيدة مع دول الخليج العربي.
بعيداً عن القضايا العامة التي تناقشها مثل هذه القمم، تبدو هذه القمة أمام قرارات ومبادرات مهمة، بخصوص القضايا المتفجرة في المنطقة، وكيفية التعاطي معها، وصولاً إلى الحد من الاحتقان الجاري، والخلافات بين الدول الإسلامية، والتي وصلت إلى مرحلةٍ يبدو فيها الكل خاسراً ومستنزفاً، جراء التفاهم الروسي – الأميركي على كيفية إدارة ملفات المنطقة، وفقا لمصالحهم العليا.
في معرض الحديث عن قمة إسطنبول، لا بد من التوقف عند زيارة ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، تركيا عشية القمة، وقد وضعها محللون في سياق ثلاث قضايا أساسية. الأولى: أن الملك قدم إلى أنقرة من القاهرة بعد زيارة لمصر استمرت خمسة أيام، ما فسره بعضهم بوجود وساطة سعودية لتحسين العلاقات التركية – المصرية، وسط تكتم شديد من جميع الأطراف. وهو تكتم فسره بعضهم بعمق الفجوة بين موقفي أنقرة والقاهرة، إذ أن اللقاء بين الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، يبدو من شبه المستحيلات، نظراً لاختلاف المواقف والسياسات والمنطلقات، على الرغم من الاعتراف الغربي بنظام السيسي والحرص السعودي عليه. الثانية: أن الحركة السعودية باتجاه أنقرة والقاهرة نابعة من الاستراتيجية السعودية الهادفة إلى الحد من النفوذ الإيراني، بعد أن بلغ الاشتباك مع إيران في ساحات اليمن والعراق وسورية ولبنان درجة الصدام المباشر. والثالثة: أن للسعودية وتركيا مواقف مشتركة تجاه الأزمة السورية، تقوم على ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد. وربطاً بالقضايا الثلاث، ثمة قضية مشتركة تجمع كل المشاركين في قمة إسطنبول، هي مكافحة الإرهاب واستفحال المنظمات الإرهابية، من المغرب غرباً إلى إندونيسيا شرقاً. ومع اتفاق الجميع على أولوية محاربة "داعش"، ثمة خلافات عميقة بين الدول الإسلامية تجاه بعض المنظمات الأخرى، ولا سيما حزب الله، إذ صنفت معظم الدول العربية، ولا سيما الخليجية، الحزب في قائمة المنظمات الإرهابية، وتحاول تمرير هذا القرار في المنظمات العربية والإسلامية والدولية، فيما الثابت أن مثل هذا المسعى سيجابه برفض إيران وبعض الدول العربية، ولا سيما العراق ولبنان والجزائر إلى حد ما، ما قد يفجر الخلافات داخل قمة إسطنبول، إذا ما طرحت هذه القضية.
تركيا، الدولة المستضيفة للقمة، والتي تعيش صداماً متعدد المستويات مع دول الجوار الجغرافي، من إيران إلى روسيا، مروراً بأرمينيا والعراق وسورية، وصولاَ إلى مصر، ربما ترى في هذه القمة فرصةً ثمينةً لوضع خريطةٍ نهائيةٍ لجملة القضايا المتعلقة بالأزمة السورية وتداعياتها، مثل قضايا اللاجئين والأمن والحرب ضد داعش وحزب العمال الكردستاني وإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الفيدرالية في سورية، حيث ترى تركيا أن الصعود الكردي في عموم المنطقة بات يشكل تهديداً جدياً لأمنها ووحدتها. وعليه، ستضع كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية في هذا المجال للحصول على موقف داعم لها.
يبقى القول، مع أن مثل هذه القمم تبدو المكان الأنسب للدول الإسلامية لاتخاذ قرارات تاريخية بشأن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع الأقليات القومية والدينية وتعزيز مكانة المرأة والشباب ... إلخ، إلا أن اللافت أن هذه القضايا لا تحظى بالاهتمام اللازم، وفي أحيانٍ كثيرة، تبدو كأنها قضايا ثانوية لا تستحق الاهتمام، وقابلة للتأجيل إلى ما لا نهاية، مع أنها أصبحت المحرك الأساسي للثورات المطالبة بالحرية، وباتت مرتكزاً سياسياً وفكرياً لتحسين صورة العالم الإسلامي في الغرب، لا سيما بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت، أخيراً، عدة مدن أوروبية، وهو ما أثار الذعر من الإسلام والمسلمين في الغرب عموماً، على صورة تعميق للإسلاموفوبيا.

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.