عرفَ العرب من الأدب التركيّ على نحو أكثر أعمال: عزيز نسين، ناظم حكمت، أورهان باموك، ويشار كمال، بالمقابل يعرف الأتراك: جبران خليل جبران، أدونيس، وأمين معلوف، أكثر من غيرهم، كان هذا أحد أهم الأسباب التي دفعت صفوان عمر شلبي لترجمة مختارات قصصية لكاتبات تركيّات تحت عنوان "إبداعات نسائية"، ضمّنها في كتابه الصادر عن سلسلة "إبداعات عالميّة" في الكويت.
بنت المرأة التركية زاوية أساسية في أدب بلادها، بدأت مع إسهاماتها منذ الأدب الشعبيّ؛ كالتهويدات والحكايات والزجل والرثائيات، إضافة إلى مشاركتها بما عُرف بأدب "العاشق" الذي انتشر قبل القرن الخامس عشر. على أن انتشار الأدب النسويّ التركيّ تجلّى في القرن العشرين؛ حيث أتى مترافقاً مع الإصلاحات السياسية والانفتاح على بوابة الغرب.
يؤشر المترجم في مقدّمة العمل على مسير القصة القصيرة التركيّة، ويربطه بالحراك داخل المجتمع التركي من جهة، وممارسات الأنظمة السياسيّة التي مرّت على تركيا من جهة أخرى؛ فبعد التأثر التركيّ بما جرى في فرنسا 1968 أخذ الأدب منحى اشتراكيّاً.
ونتيجة لما شهدته تركيا في السبعينيات من أحداث سياسية، كالعنف والانقسامات السياسيّة، والانقلابات، تقلّصت المسافة بين السياسة والأدب، ومنها الكتابة القصصية؛ لتكون سمة الأدب بالمجمل في تلك الفترة الابتعاد عن الاهتمامات الجماليّة لصالح الأفكار والشعارات السياسيّة، ويكون التوجه الأبرز، الكتابة من داخل تيّار الواقعيّة الاشتراكيّة.
تبعاً لذلك، طغى على اختيارات المترجم للقصص، الطابع الواقعيّ منها، وظهر ذلك في قصص كل من: سعاد درويش المعنونة بـ"عودة"؛ حيث تصف الكاتبة تفاصيل المراسلات بين امرأة وشاب شاخ في الغربة.
في التيّار نفسه دارت قصة نزيهة ميريتش "الأمل خبز الفقير" التي عرضت حال الفقراء في تركيا. في حين أتت قصة سيفغي سوسيال "خصلة عاطفيّة"، ضمن مشروع الكاتبة الذي ركّز على شخصية المرأة العاملة، لكن مع جرعة رمزيّة طغت على قصتها الأقصر بين قصص المجموعة.
تدور مجمل القصص المختارة في حيّز الذكريات من جهة، سواء أكانت بطابع فرديّ، أو المتعلق منها بذاكرة المجتمع، ومن جهة أخرى حصدت الأفكار اليساريّة والقصص الواقعيّة نصيباً كبيراً من أفكار قصص المجموعة، إلّا أن هناك نماذج مختارة خرجت عن طابع المجموعة كقصة بينار كور، "مسافر لرحلة قصيرة"، التي حملت رؤية للوجود من بوابة اليوميّ المعاش.
حضرت السورياليّة والرمزية من خلال قصة نازلي إيراي "صيدليّة التخلّف"، التي تدور حول صيدليّ يبيع العائدين من بلاد الغرب عقارات للنسيان، نسيان الحضارة هناك، ليستطيعوا التأقلم في الوطن.
أخيراً ورغم تنشئة كثير من الكاتبات التركيات في أوروبا وأميركا، واغترابهن، حيث يظهر ذلك بالسير القصيرة التي عرضها المترجم لكل واحدة منهن، إلّا أن قضايا المجتمع التركيّ، وانقساماته وعاداته وتقاليده وذاكرته كانت الهاجس الأبرز في مواضيع قصص الكاتبات التركيات.
اقرأ أيضاً: تمرير "اسرائيل" الثقافية