تركيا تجرّ واشنطن إلى ملعبها السوري

23 نوفمبر 2014
لا تمانع روسيا في إقامة مناطق عازلة لأغراض إنسانيّة(الأناضول)
+ الخط -
استبق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وصول نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تركيا، بالتذكير بأنّ واشنطن لم تستجب حتى الآن لشروط تركيا، من أجل الانضمام الى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش)، مؤكداً أنّ موقف أنقرة لن يتغيّر حتى تتمّ تلبية هذه الشروط والتي تتصل، وفق أردوغان، بفرض منطقة حظر طيران شمالي سورية، وإقامة منطقة عازلة وتدريب وتجهيز مقاتلي "الجيش الحر".
وتأتي زيارة بايدن إلى تركيا بعد لقاء مطول جمع رئيس الحكومة التركيّة، أحمد داود أوغلو، هذا الأسبوع، مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما في أستراليا، قيل إنّ أوباما تفهّم خلاله، المطلب التركي بفرض منطقة آمنة شمالي سورية. كما تأتي في ظلّ تزايد الانتقادات لسياسة الإدارة الاميركيّة التي توصف بالفاشلة حيال سورية، والتي أسهمت في تقوية تنظيم "داعش" والنظام السوري، مقابل إضعاف ما يسمّى بالمعارضة المعتدلة، التي لم تتلقّ حتى الآن أي دعم جديّ من الولايات المتحدة.

ولا شكّ في أنّ هذه الانتقادات لاستراتيجيّة إدارة أوباما حيال سورية (علماً بأن هناك من يتهم الإدارة بعدم امتلاك أيّة استراتيجية أصلاً)، تضع الأتراك في موقف قوي إزاء ضيفهم الأميركي، مما قد يمكّنهم من طرح قضيّة المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا على طاولة البحث، بشكل جدي هذه المرّة، خصوصاً مع الضربات التي تلقتها "المعارضة المعتدلة" في الآونة الأخيرة، شمالي البلاد، على أيدي النظام وجبهة النصرة. ويضع ذلك "الاستراتيجيّة الاميركيّة" القائمة على "إحلال" المعتدلين في الفراغات التي ستحدث في حالة أيّة انهيارات مفترضة في صفوف "داعش" من جراء غارات التحالف، في مهبّ الريح.
وفي إطار التقارب المستجد في المواقف بين أنقرة وواشنطن، بعد حالة من الشدّ العلني، يأتي ما أشارت إليه مصادر إعلاميّة تركيّة بشأن اتفاق الجانبين على تجهيز وتدريب حوالى ألفي مقاتل للمعارضة السوريّة المعتدلة في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، في مركز تدريب الدرك في كيرشهر وسط البلاد، وذلك بعد أن أنهى القادة العسكريون في البلدين التفاصيل الأخيرة لهذه الخطة، خلال لقاء عقد هذا الأسبوع في مقر قيادة القوات المسلّحة التركيّة.

ويبدو أنّ واشنطن تعي أنّه حتّى لو جرى تدريب هذه القوات خلال فترة بين 8 و12 شهراً، فهي ستحتاج إلى حماية جويّة، على غرار الحماية التي قدّمتها طائرات التحالف للقوات العراقيّة والكرديّة في العراق، أو حتّى للمقاتلين الأكراد في عين العرب. من هنا، فإنّ إدارة أوباما تدرس بحسب ما نقلت محطة "سي إن إن"، عن مسؤولين أميركيين، إقامة منطقة حظر جوي على الحدود مع تركيا، وهو ما ظلّ أوباما يتردّد بشأنه حتى الآن ويحرص على ترك مسافة من الحرب السوريّة، إضافة إلى خشيته ربّما من التداعيات على المفاوضات النوويّة الإيرانيّة. وتقول بعض المصادر إنّ الجانب الروسي قد لا يمانع في إقامة مناطق عازلة شرط أن تكون لأغراض إنسانيّة. ولا تعني هذه المناطق قراراً أميركياً بمحاربة نظام الأسد، لكنّها تطرح إمكانيّة حماية قوات المعارضة التي سيجري تدريبها في المرحلة المقبلة، في وجه أي تهديد سواء من التنظيمات المتطرفة أم قوات الأسد.
ولعلّ تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حول الأسد وتعاونه مع "داعش" تفيد هذا النفَس الأميركي الجديد، ولو شكلياً، تجاه سورية، أو قد تكون مجرد تطمينات لتركيا وللأطراف الإقليميّة المشاركة في التحالف الدولي. وفي وقت ظلّت فيه استراتيجيّة أوباما تركّز على محاربة تنظيم "داعش" في العراق، وتعتبر الوضع في سورية ملحقاً به، توقّف كيري عند التحالف الخفي بين "داعش" ونظام الأسد، ملاحظاً أنّ قوات الأسد التي تقصف معاقل "المعارضة المعتدلة" بلا هوادة، لا تفعل الشيء نفسه ازاء تنظيم "داعش".ولم يقدّم كيري إجابات على من يتهم إدارته بتكرار سلوك النظام السوري، إذ لم تقصف طائرات التحالف "داعش" خلال مواجهاته مع قوات "المعارضة المعتدلة" منذ منتصف عام 2013، بل قصفته فقط بعد أن بدأ يتحرّك ضدّ قوات الأسد، وانتزع منها كلّ مواقعها العسكريّة في محافظة الرقة، وكان يستعد لمهاجمة مطار دير الزور العسكري، لكنّ غارات التحالف أوقفت خططه.

والواقع أنّ هذه الملاحظة قد لا تصيب كيري شخصياً، إذ يعدّ من أبرز المنادين، في إدارة أوباما، باتخاذ سياسة قويّة تجاه نظام الأسد، ومعه أيضاً وزير الدفاع، تشاك هاغل. والطرفان غير مرحّب بهما داخل إدارة أوباما المتحفّظة حيال سورية. وإذا لم تنجز هذه الإدارة تحولاً ملموساً حيال سورية خلال الفترة المقبلة، فربما يجد الرجلان نفسيهما خارجها خلال فترة ليست بعيدة، سواء عبر استقالتهما، أو إقالتهما، كما رشحت تسريبات في الآونة الأخيرة.

المساهمون