12 يوليو 2024
ترف العزل المنزلي
هذه ليست دعوة إلى عدم اتباع تدابير احتواء فيروس كورونا، بما فيها العزل الذاتي في المنازل، وليست نداء إلى الخروج إلى الشوارع، لكنها دعوة إلى التفكير في الآخرين، والترفع عن التنظير والتعميم.
قلة هي الدول، ولحسن حظها كما في اليمن الذي يعاني من ألف أزمة، لم تُسجّل بعد إصابات. لكن لا توجد دولة لن تطاولها تداعيات الوباء، خصوصاً الاقتصادية. قدرة هذه الدول على تخطي الآثار لن تكون في المستوى نفسه. بعضها قادر على ضخ مليارات لإنقاذ الاقتصاد، وبعضها الملايين، دول أخرى غارقة في ديونها، جلّ ما ستتمكن من فعله هو التكيف مع التداعيات.
ينطبق الحال نفسه، ولكن على نحو أشد قسوة، على المواطنين في العالم. تتفاوت في كل المجتمعات مستويات الصمود. هناك من لم تصل إليه التداعيات بعد. لا يزال يعمل، لو من المنزل، يستلم راتبه، يتمكّن من دفع إيجار منزله، وفواتيره، وشراء احتياجاته، وحتى طلبها عن بعد لتصل إلى باب بيته، يعقمها، يغسل يديه، يجلس على الكنبة، يختار ما يشاهده على التلفاز، ويشعر بخطر أقل. ولكن ماذا عن الآخرين الذين أغلقت مصالحهم على صغرها. جلّ هؤلاء، كما في لبنان مثالا، يعيشون على دخلهم اليومي. سواء كانوا من سائقي سيارات الأجرة، أو من الباعة الجوالين، أو من أصحاب المحلات الصغيرة. ينفقون على مأكلهم ومشربهم مما يبيعون، وما يوفرونه يذهب إلى سداد قروضهم. يحيون يوماً بيوم. لو فتحت خزائن مطبخهم أو ثلاجاتهم لا يتوفر فيها شيء للغد. يراد لهم أن يُتركوا لمصائرهم، أن يتسوّلوا قوتهم، وأن يعيشوا على صندوق الإعاشة (بضع معلبات وأكياس المعكرونة والبقوليات). وعندما يخرجون إلى الشوارع بحثاً عن رزقهم، أو ينادون بإجراءات تنقذهم من العوز، ترصدهم العيون وأبواق بعضهم بالشتائم، أو وصمهم باللامبالاة والاستهتار. حتى أن وسائل إعلام أصبحت، بوقاحة، تحرّض عليهم، وتفتح الهواء لإعلاميين هم أقرب إلى مخبرين، وأطباء وسياسيين يدعون بغباء إلى اعتماد النموذج الصيني القمعي، لإجبار المواطنين على عدم الخروج من المنزل.
تحميل وزر عدم السماح بالقضاء على الوباء لهذه الطبقة استغباء. المسؤولية على الحكومات وحدها لا غير. عندما تطلب الدول من مواطنيها التزام المنازل، ولا تؤمّن لهم الغذاء، هي المسؤولة. عندما تسمح للمصارف بنهب أموال صغار المودعين هي المُلامة. عندما تترك للتجار فرصة التلاعب بالأسعار ومضاعفتها مرات ومرات هي من يجب أن توجّه إليها أصابع الاتهام. أما المواطنون الذين ينتمون لهذه الطبقة فليسوا سوى ضحايا. مستقبلهم قاتم، وخياراتهم ضيقة. لا يلامون لأنهم قد يموتون من الجوع، لا من التخمة.
أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا)، أول من أمس الأربعاء، دراسة حول آثار فيروس كورونا، ملخصه أن "عدد الفقراء في المنطقة العربية سيزداد مع وقوع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر". وبحسب تقديراتها، فإنه سيُصنَّف ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة في عداد الفقراء، في حين سيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليوناً. وهؤلاء الذين يصنفون بأنهم الفئات الأكثر عرضة للمخاطر سيفتقرون إلى أبسط مكونات الصمود خلال تفشّي الوباء. أما التوصيات فتبدأ من تعزيز الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التحويلات النقدية، والمعونة الغذائية، ولا تنتهي بتأجيل سداد القروض الفردية والرهون العقارية، وتعليق الرسوم، وتوفير الإعفاء الضريبي للمحتاجين من أجل حماية الطبقة متوسطة الدخل من الوقوع في الفقر. وهي إجراءاتٌ لا يمكن للمواطنين أن يتحملوا مسؤوليتها، بل الحكومات.
ينطبق الحال نفسه، ولكن على نحو أشد قسوة، على المواطنين في العالم. تتفاوت في كل المجتمعات مستويات الصمود. هناك من لم تصل إليه التداعيات بعد. لا يزال يعمل، لو من المنزل، يستلم راتبه، يتمكّن من دفع إيجار منزله، وفواتيره، وشراء احتياجاته، وحتى طلبها عن بعد لتصل إلى باب بيته، يعقمها، يغسل يديه، يجلس على الكنبة، يختار ما يشاهده على التلفاز، ويشعر بخطر أقل. ولكن ماذا عن الآخرين الذين أغلقت مصالحهم على صغرها. جلّ هؤلاء، كما في لبنان مثالا، يعيشون على دخلهم اليومي. سواء كانوا من سائقي سيارات الأجرة، أو من الباعة الجوالين، أو من أصحاب المحلات الصغيرة. ينفقون على مأكلهم ومشربهم مما يبيعون، وما يوفرونه يذهب إلى سداد قروضهم. يحيون يوماً بيوم. لو فتحت خزائن مطبخهم أو ثلاجاتهم لا يتوفر فيها شيء للغد. يراد لهم أن يُتركوا لمصائرهم، أن يتسوّلوا قوتهم، وأن يعيشوا على صندوق الإعاشة (بضع معلبات وأكياس المعكرونة والبقوليات). وعندما يخرجون إلى الشوارع بحثاً عن رزقهم، أو ينادون بإجراءات تنقذهم من العوز، ترصدهم العيون وأبواق بعضهم بالشتائم، أو وصمهم باللامبالاة والاستهتار. حتى أن وسائل إعلام أصبحت، بوقاحة، تحرّض عليهم، وتفتح الهواء لإعلاميين هم أقرب إلى مخبرين، وأطباء وسياسيين يدعون بغباء إلى اعتماد النموذج الصيني القمعي، لإجبار المواطنين على عدم الخروج من المنزل.
تحميل وزر عدم السماح بالقضاء على الوباء لهذه الطبقة استغباء. المسؤولية على الحكومات وحدها لا غير. عندما تطلب الدول من مواطنيها التزام المنازل، ولا تؤمّن لهم الغذاء، هي المسؤولة. عندما تسمح للمصارف بنهب أموال صغار المودعين هي المُلامة. عندما تترك للتجار فرصة التلاعب بالأسعار ومضاعفتها مرات ومرات هي من يجب أن توجّه إليها أصابع الاتهام. أما المواطنون الذين ينتمون لهذه الطبقة فليسوا سوى ضحايا. مستقبلهم قاتم، وخياراتهم ضيقة. لا يلامون لأنهم قد يموتون من الجوع، لا من التخمة.
أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا)، أول من أمس الأربعاء، دراسة حول آثار فيروس كورونا، ملخصه أن "عدد الفقراء في المنطقة العربية سيزداد مع وقوع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر". وبحسب تقديراتها، فإنه سيُصنَّف ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة في عداد الفقراء، في حين سيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليوناً. وهؤلاء الذين يصنفون بأنهم الفئات الأكثر عرضة للمخاطر سيفتقرون إلى أبسط مكونات الصمود خلال تفشّي الوباء. أما التوصيات فتبدأ من تعزيز الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التحويلات النقدية، والمعونة الغذائية، ولا تنتهي بتأجيل سداد القروض الفردية والرهون العقارية، وتعليق الرسوم، وتوفير الإعفاء الضريبي للمحتاجين من أجل حماية الطبقة متوسطة الدخل من الوقوع في الفقر. وهي إجراءاتٌ لا يمكن للمواطنين أن يتحملوا مسؤوليتها، بل الحكومات.