بات شبه مؤكّد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذاهب إلى إشعال فتيل كارثة قد لا تحسم نتائجها، عبر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ضارباً عرض الحائط بجميع ردود الفعل العربية والدولية، المحذرة والرافضة لتلك الخطوة.
وعشية خطاب ترامب الموعود بشأن وضع القدس، أمس الثلاثاء، كشف متحدث في الخارجية الأميركية، تحفظ عن ذكر اسمه، أن الإدارة قررت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإرجاء نقل السفارة الأميركية إليها لمدة ستة أشهر.
وقال المسؤول، في مؤتمر صحافي مفاجئ عبر حلقة هاتفية مقفلة، طالباً عدم نشر المحتوى قبل حوالي أربع ساعات، إن هذه الخطوة ليست سوى عملية "اعتراف بالحقيقة" القائمة.
وأضاف، في سياق هذا التبرير الباهت، أن البقاء على الوضع الراهن "لم ينتج شيئاً بعد 22 سنة على استمراره". أي منذ صدور قانون 1995 الذي قضى بنقل السفارة مع منح الرئيس صلاحية تأجيل هذا النقل لستة أشهر مفتوحة على التمديد، طالما رأى ذلك لازماً.
وكانت التسريبات في هذا الاتجاه، قد سبقت هذا الإعلان في اليومين الأخيرين ولو بصورة ضبابية أراد بها البيت الأبيض التمهيد لخطوته، وجس النبض وردود الفعل العربية والدولية مسبقاً.
وكانت أول إشارة إلى الانقلاب قد ظهرت واضحة، يوم الإثنين، عندما تجاهل ترامب مرور موعد التجديد الذي يفرضه القانون لتأجيل نقل السفارة. بإسقاط هذا الاستحقاق عن عمد وتصميم، أراد توجيه رسالة واضحة، مفادها بأن زمن التأجيل قد انتهى وأنه قرر تحدي الفلسطينيين والعرب والعالم والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وتقديم هذه الجائزة لإسرائيل ما كان ليحصل إلا لأن الطريق أمامه كانت سالكة، لا حواجز ولا عوائق مانعة. الأمر الذي جعله يستسهل قرار الاعتراف وليس فقط نقل السفارة.
ضرب ترامب عرض الحائط بكل التحذيرات وخصوصا العربية، ومضى بفرض سياسة الأمر الواقع. والأنكى من ذلك أنه يتوقع "بأن لا ينعكس هذا القرار سلباً على جهود السلام"، حسب المصدر الرسمي أعلاه. كلام ينبض بالتهديد المبطن باللجوء إلى خطوات أخرى، منها إغلاق مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن، إذا لم تدخل السلطة الفلسطينية في مفاوضات تؤدي إلى الموافقة على مشروع التسوية المفصل على القياسات الإسرائيلية، حسب ما كشفت عنه التسريبات التي جرى تمريرها إلى صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام قليلة.
ولرفع درجة الضغوط على الجانب الفلسطيني، صوّت اليوم مجلس النواب في "الكونغرس" على مشروع قانون بقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، طالما بقيت تقدم الدعم لعائلات الشهداء والأسرى، بزعم أن ذلك هو بمثابة مكافأة للعنف، أي الزعم الإسرائيلي ذاته.
والمعروف أن اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ كانت قد أقرت مثل هذا القطع في شهر أغسطس/آب الماضي، ومن المتوقع أن يصوت المجلس بكامله على الخطوة في القريب العاجل، ليصبح بذلك قانوناً ساري المفعول. وبهذا تكون واشنطن قد وضعت السلطة الفلسطينية مسبقاً وقبل طرح مشروعها للتسوية والتفاوض على أساسه، بين سندان الأمر الواقع بالنسبة للقدس ومطرقة التهديد بإغلاق بعثتها في واشنطن وحرمانها من المساعدات المالية إذا رفضت الانصياع.
بيت القصيد هو أن الاهتراء العربي الراهن الذي صار من الصعب تمييزه عن التواطؤ غير المسبوق، شجع إدارة ترامب على تحقيق اختراق تاريخي غير مسبوق لصالح إسرائيل.