واتهم ترامب، الرئيس الأسبق بيل كلينتون، بمضايقة العديد من النساء والتحرش بهن، وأن زوجته هيلاري صمتت عن ذلك لأنها، بحسب تفسير ترامب، "لا يهمها مصلحة المرأة بقدر ما تهمها مصالحها السياسية". وزعم ترامب في تصريحات أدلى بها، قبل يومين، لمحطتَي "سي أي أن" و"فوكس نيوز" أنه الأقدر من كلينتون على خدمة النساء، وأنّ "كون منافستي امرأة لا يعني بالضرورة أنها ستحافظ على مصالح النساء". ولجأ ترامب إلى إطلاق أوصاف مسيئة على كلينتون من بينها أنها "كاذبة وانتهازية، ولا تستحق الثقة"، محاولاً كسب ود الأميركيات، ومبرراً لهجته الحادة ضدها بأنها "كانت البادئة في تخويف النساء من التصويت له"، وأنها تكرر الافتراء عليه بأنه يتبنى مواقف عنصرية ضد النساء.
من جانبها، وعلى الرغم من محاولة المرشحة الديمقراطية النأي بنفسها عن إطلاق الأوصاف المسيئة لترامب، تشن في حملتها هجوماً كاسحاً عليه بهدف التقويض من ثقة الناخبين به. وأثارت كلينتون حفيظة ترامب بمحاولتها استهداف الناخبين الجمهوريين ممن تعتقد أن هناك نسبة بينهم مستعدة لتجاوز الموانع الحزبية وتأييدها بدلاً من تأييدهم لترامب. ومن المفارقات، أن ترامب كانت تربطه صداقة وثيقة بهيلاري كلينتون، علماً أن كليهما يقيم في نيويورك. كما أن رجل الأعمال قدّم تبرعات مالية سخيّة لحملاتها الانتخابية السابقة، وهو ما جعل ذلك مدخلاً لشن الهجمات عليه من جانب منافسيه الجمهوريين السابقين، وفي مقدمتهم السيناتور المنسحب من السباق الانتخابي تيد كروز.
ويتفق معظم المحللين الأميركيين لسير العمليات الانتخابية على أن هجمات ترامب على منافسيه ليست وليدة لحظتها بقدر ما هي مدروسة ومقصودة. ويستدل هؤلاء على ذلك بقولهم إن هجماته اللاذعة التي أثخنت منافسه الجمهوري الرئيسي تيد كروز ترافقت مع إشادة عاطفية حارة وكلمات إيجابية مؤثرة على كروز بمجرد أن أعلن الأخير انسحابه من السباق.
وفي الوقت الذي عمد فيه المنافسون الجمهوريون لترامب إلى مجاراته في إساءاته اللفظية لهم، يبدو أنّ كلينتون تعتزم اتخاذ أسلوب مختلف تظهر فيه وكأنها ستنأى بنفسها عن توجيه الشتائم إلى الرجل أو أفراد أسرته واستبدال ذلك بتوجيه الانتقادات اللاذعة لطروحاته السياسية. وأصبح ترامب، المعروف بقدرته على إثارة الجدل حول نفسه، مرشحاً وحيداً عن الحزب الجمهوري بعد فوزه الحاسم في الانتخابات التمهيدية في ولاية إنديانا. غير أن إعلان ترشيحه رسمياً لن يتم إلا في مؤتمر الحزب المقرر عقده بولاية أوهايو في يوليو/تموز المقبل.
ولا يزال بعض الجمهوريين يشككون في إمكانية حصول ترامب على ثقة الحزب، ومن بين هؤلاء رئيس مجلس النواب الأميركي بول راين الذي أعلن أنه لم يدخل بعد إلى طور الاستعداد لدعم ترامب في تمثيل الحزب. وأطلق راين تكهنات في أوساط الجمهوريين تفيد بأنه قد يقرر خوض المنافسة ضد ترامب بنفسه خلال مؤتمر الحزب، إذ لا يوجد ما يمنعه قانونياً من ذلك باعتبار أن الانتخابات التي جرت حتى الآن ليست سوى تصفيات حزبية تمهيدية وغير ملزمة للحزب باعتماد نتائجها في اختيار المرشح الذي يمكن أن يواجه هيلاري كلينتون أو منافسها السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز. ولا يزال من المحتم على ترامب أن يحصل رسمياً على أصوات 1237 من المندوبين للفوز بالترشح عن الحزب. وإذا لم ينجح في ذلك، فإن مؤتمر الحزب بإمكانه نظرياً أن يختار أي شخص آخر من قيادات الحزب لتمثيله في انتخابات الرئاسة المقررة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ولا يختلف الأمر في المعسكر الديمقراطي من حيث عدم حسم المنافسة، إذ إن المرشحة هيلاري كلينتون، وإنْ كانت نظرياً الأوفر حظاً، إلا أن منافسها الديمقراطي ساندرز لم يفقد الأمل بعد في تمثيل الحزب الديمقراطي. ولا تزال الأموال تتدفق بغزارة على حملة ساندرز الانتخابية من فقراء اليسار بمبالغ زهيدة لكن مجموعها كبير. وقد لا يتمكن ساندرز من التغلب على كلينتون لكن تقاربه معها في عدد المندوبين يؤهله للمقايضة على منصب نائب الرئيس أو أي موقع آخر مقابل حثّ القطاع الشبابي السياسي الواسع الذي يمثله ساندرز على دعم هيلاري كلينتون وعدم التقاعس في الانتصار للحزب الديمقراطي. فضلاً عن ذلك، فإن ساندرز، وإنْ لم يصرّح بذلك، إلا أنّه من دون شك يضع في الاعتبار احتمال أن يقود التحقيق في قضية بريد كلينتون الإلكتروني إلى تعقيد عملية تمثيلها للحزب الديمقراطي، وهو ما يجعله البديل الأكثر جهوزية من غيره لمقارعة المرشح الجمهوري والفوز عليه.
وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن ساندرز هو الأكثر قدرة من كلينتون على إلحاق الهزيمة بترامب في أي انتخابات عامة على الرغم من تفوقها حتى الآن على ساندرز في التصفيات الحزبية. ويعتقد بعض أنصار الحزب الديمقراطي أن شخصية ترامب الصدامية يمكن أن تجعل من هيلاري كلينتون هدفاً سهلاً لترامب كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية. وضع قد يساعد الأخير على إلحاق الأذى بكلينتون بسبب اطلاعه العميق على خفايا حياتها وتاريخها السياسي في حين أن اهتمامه بساندرز لم يكن بذات الدرجة وقد لا يجد ما يقوله عنه باعتبار أن ساندرز كان أكثر ميلاً إلى المثالية بالمقارنة مع واقعية كلينتون. كما كان ساندرز أكثر حرصاً على "النقاء السياسي" بالمقارنة مع معظم السياسيين الأميركيين.
وفي حال تحوّل مسار التمثيل الحزبي من كلينتون إلى ساندرز، فإنها ستكون أول مواجهة حامية لمرشح يهودي هو ساندرز، ومرشح يُتهم بمعاداة السامية هو ترامب الذي يشبّهه البعض بالزعيم الألماني النازي أدولف هتلر. وبما أنّ جذور ترامب ألمانية، فإن تشبيهه بهتلر قد يجد صدى كبيراً في حال كان المرشح المنافس هو ساندرز، وقد يساعد هذا الوصف بدور مؤثر في حشد الأصوات لصالح ساندرز.
وبما أن الاحتمالات لا تزال مفتوحة، فإن عقبة ساندرز الكبرى هي كلينتون وليست ترامب. فإذا ما تمكن الرجل من التغلب على هيلاري كلينتون بصورة أو بأخرى، فإن انتصاراً ساحقاً ينتظره على ترامب بكل تأكيد. لكن يصعب الجزم بهذا الاحتمال قبل موعد انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية بنسلفانيا في يوليو/تموز المقبل.
ويعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي اجتماعه في الأسبوع التالي مباشرة لانعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري، وبالتالي فإن المندوبين الديمقراطيين للمؤتمر، وخصوصاً الكبار منهم، سيكون أمامهم مجال للمفاضلة بين كلينتون وساندرز. ويأتي ذلك بعد أن يكون الحزب الجمهوري قد اتخذ قراره في تحديد ممثله رسمياً.