وفي خطابه مساء أمس الإثنين، عن الخطة التي وضعها البنتاغون لأطول حرب أميركية وأقنعه الجنرالات في إدارته باعتمادها، أسهب ترامب في الحديث عن ضرورة مواصلة هذه الحرب وكسبها من دون تفاصيل حول كيفية حسمها. ما أفصح عنه لا يختلف في الجوهر عن خطط باراك أوباما وجورج بوش، ولو أنه ترك للقيادة الميدانية حرية التصرف العملياتي.
ومثل سابقيه، وافق ترامب على زيادة حجم القوات الأميركية، لكن من دون الكشف عن العدد، بزعم أن الغموض في هذا الخصوص، كما في تحديد دور القوات ومدة بقائها في أفغانستان، من شأنه إرباك الخصم.
الجديد فيها أنه لوّح بتغيير التحالف الاستراتيجي في المنطقة. أنذر باكستان بأنه يعتزم عقد شراكة مع عدوها الهندي وحثه على لعب دور في أفغانستان، كرد على عدم تعاون إسلام أباد وتدفيعها ثمن "إيوائها للإرهابيين ".
تطور نوعي ينذر بفتح مواجهة بين الجارين، إذا ما ارتضت نيودلهي مزاحمة جارتها في أفغانستان. الرئيس لم يكشف عما إذا كان قد تمّ التوافق مع الهند حول هذه المعادلة. ربما كان ذلك وسيلة للضغط على الحليف الباكستاني، الذي بات يعرف في واشنطن بـ"الحليف المؤذي".
ويبدو أن الخيار الهندي جاء في سياق البحث عن طرف ثالث تجري الاستعانة به كمدخل لترتيب مخرج من هذا المأزق، الذي تعذر ضمان نهاية مأمونة له بعد 16 سنة من النزف العسكري والمالي.
من بين الخيارات المتداولة، كان خصخصة هذه المواجهة وتسليمها إلى شركة تعمل في مجال الأمن العسكري، مثل شركة بلاك ووتر التي جرت الاستعانة ببعض خدماتها الأمنية في حرب العراق، والتي يرأسها إريك برينس شقيق وزيرة التربية الحالية. لكن على أن تكون مهمتها هذه المرة، قتالية ميدانية تامة.
ويبدو أن الشركة عرضت خدماتها في هذا المجال، على أساس أنها تمتلك خبرات قتالية توفرها عناصر في صفوفها سبق لها أن خدمت في الجيش وشاركت في حربي العراق وأفغانستان. ساعدها في ذلك، مستشار الرئيس ستيف بانون قبل الإطاحة به، والذي دفع بخيار انسحاب القوات الأميركية تحقيقاً لوعد الرئيس.
لكن البنتاغون وجنرالات الإدارة نجحوا في حمل ترامب على رفض خيار "تلزيم" الحرب، لعواقبه السلبية على سمعة القوات الأميركية، التي ستبدو في هذه الحالة وكأنها مارست الهروب من ساحة المعركة. ومن هنا جاء البديل الهندي ليفتح صفحة من التعقيد والخطورة في هذه الحرب المسدودة مخارجها حتى الآن.
انسداد يفسر الالتباس والتضارب في الخطة التي تجمع بين عزوف الرئيس عن تحمل مسؤولية الانسحاب وبين تردده في التصعيد، لذا جاء الطرح بصيغة تعكس حدة المأزق. ففي حين وعد بالنصر وبعدم السماح لطالبان بالعودة إلى الحكم، إلا أنه لم يفصح عن الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق هذه الغاية. ترك للظروف على الأرض أن تقوم بتوجيه الاستراتيجية.
في ضوء هذه الضبابية، جاءت الردود متنوعة. ثمة من رأى في الأمر خطة "جيدة في ظل الظروف المعروفة" كما قال الجنرال المتقاعد باري ماكّفري. فيما رأى آخرون أن ما طرحه الرئيس "لا ينطوي على جديد ولا على التزام"، بل هو أقرب إلى العمل الاستعراضي بغرض "تغيير الحديث في واشنطن" كما يقول دافيد روثكوف، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية. ولكليهما جدارته.
وهذا نتيجة الإقرار العام بوجود ورطة أفغانية، لا يزعم أحد في واشنطن أنه يملك مفتاح الخروج السليم منها. وخطته تنطق بهذا الواقع كما تعكس عودته إلى أحضان السياسة الخارجية المتوارثة وقوانينها.