ترامب والكابوس الروسي: هل يكون كوشنر كبش محرقة؟

02 يونيو 2017
تحذير من مخاطر استئثار البيت الأبيض بالشؤون الخارجية(أوليفييه دولييري-بول/Getty)
+ الخط -
تبدو إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم، في ذروة ارتباكها. عوارض التخبط واضحة في تغريدات الرئيس على موقع "تويتر"، كما في تصريحات المسؤولين في الإدارة، خاصةً الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، الذي يبذل جهداً لإيجاد مصطلحات دبلوماسية غير حاسمة، خلال اللقاء الصحافي اليومي الذي يجريه للرد على أسئلة الصحافيين حول آخر فصول الملف الروسي. وتلافياً للإحراج الذي تسببه أحياناً بعض الأسئلة، جرى يوم الأربعاء، استبدال اللقاء المصور والمنقول في بث مباشر، بدردشة مع الصحافيين، غير مصورة وممنوع بثها.

ملامح الارتباك الذي تعاني منه إدارة البيت الأبيض تتبلور منذ فترة. لكنها تفاقمت بشكل حاد في الأيام الأخيرة. وجاءت نتيجة مزيج من فقدان البوصلة وتزايد ثقل الكابوس الروسي. فمن جهة، تراكمت القرارات والخطوات الرئاسية التي اتخذت بصورة عشوائية وفردية، في ظل فوضى وحالة صراع وعدم استقرار غير مسبوقة في البيت الأبيض. ومن جهة ثانية، يبدو أن ملف تدخل الكرملين في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قد فتح على مصراعيه.

هذا الوضع بات يثير قلقاً واضحاً لدى دوائر صنع القرار الأميركية، حتى لدى قسم كبير من الجهات المحسوبة على ترامب، التي لا تتردد في التعبير الصريح عن مشاعر الضيق من تصرفاته، المحلية منها والخارجية. وثمة من بدأ يحذر من مخاطر الاستمرار بهذا الوضع ليس فقط على موقع ودور أميركا في العالم، بل أيضاً على سلامة المؤسسات وانتظام عمل آلياتها وصمامات أمانها.

يحصل ذلك والإدارة لا تزال في بداية الشهر الخامس من عمرها، وتكوين فريق عملها لم يكتمل بعد. العديد من مناصب الدرجة الأولى الهامة بعد الوزير لا تزال شاغرة، ولا سيما في الوزارات الحساسة مثل الخارجية والدفاع. وعلى العكس، بدأت الاستقالات والإقالات من مراكز رئيسية في البيت الأبيض تتوالى. آخرها كان يوم الثلاثاء، مع مغادرة مدير جهاز الاتصالات في البيت الأبيض، مايك دوبكي، بعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه. ومن المتوقع أن يستمر هذا المنحى في الأيام المقبلة، بحسب مصادر البيت الأبيض. والشائعات المسرّبة تتناول أكثر من اسم. والتبريرات المقدمة هي أن الرئيس ترامب "غير راضٍ بل ناقم" على أداء فريقه الذي يعتبره عاجزاً في الدفاع عنه وتلميع صورته.


لكن وفي معرض تعليقها على ما يفكر ويقوم به ترامب، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "تغيير الفريق لا يحل المشكلة طالما بقي الرئيس يرفض الاعتراف بأن أصل المشكلة يكمن فيه"، وفق تعبير الصحيفة التي تعتبر من المؤيدين لترامب. ومضمون الرسالة التي وجهتها هذه الصحيفة، هو نفسه يتردد على كل لسان إلا عند أقلية من المقربين من ترامب.

ويرى معظم المحللين والمراقبين أن نهج ترامب غير قابل للتغيير لأنه لن يتخلى عن مقاربته لممارسة مهامه الرئاسية والتي يريدها نسخة عن طريقته في إدارة أعماله قبل الرئاسة. ومن هنا كان حصر الرئيس لصناعة القرار في البيت الأبيض. وليس سراً في واشنطن أن هذا "المطبخ" بتركيبته الحالية غير قادر على صياغة القرارات المطلوبة، لا سيما تلك المتعلقة بترجمة وعود الرئيس الانتخابية التي لم يتحرك حتى الآن أي منها في الكونغرس، إما بسبب الاعتراض عليها وإما لتعذر القدرة على تنفيذها. وحتى إذا اتخذت قرارات أو حصل تقديم تفسيرات، تأتي تغريدات ترامب المتناقضة معها، لتنسفها أو تعيق تنفيذها.

ويجري كل ذلك وسط توسع دائرة الشبهات في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. والقضية بدأت تشمل صهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي يجري التلميح إلى أنه من غير المستبعد أن يتحول إلى "عبء" وربما إلى "كبش محرقة". واللائحة تتمدد لتشمل محامي الرئيس ومساعده القديم، مايكل كوهين، ومدير حملته الأول، بول مانافورت، ومستشاره السابق، مايكل فلين، وعدد من الأنصار مثل الإعلامي روجرز ستون، وغيرهم من المرشحين للمثول أمام لجان الكونغرس في مجلسي الشيوخ والنواب كمشتبه بهم وكشهود، يتقدمهم المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، جيمس كومي، فضلاً عن التحقيقات التي تجريها الـ"أف بي آي". كل هذه التطورات تلقي بثقلها على إدارة البيت الأبيض، مع العلم بأنه لم يبدأ المحقق الخاص، روبرت مولر، بعد باستدعاء الشهود واستحضار الوثائق والتسجيلات والأدلة في شأن قضية التدخل الروسي. وفي هذا السياق، يقول السناتور جون ماكين، إن قنابل كثيرة قد تتفجر، وفق تعبيره.

وترامب مصرّ على مواجهة هذا التحدي الذي يحاصره. لكن أداءه يبدو مرتبكاً. تارةً يهاجم الصحافة تحت ذريعة أنها "تلفق الأخبار"، وفق قوله، وتارةً أخرى يصرح بأن المشكلة تكمن بالتسريبات التي يحذر من مخاطرها، مع العلم بأن بعضها مصدره مقربون منه في البيت الأبيض، وتارةً ثالثة يلقي بالمسؤولية على قصور معاونيه. كذلك، يلجأ ترامب أحياناً إلى تغيير النغمة، مثل تلميحه يوم الأربعاء، إلى أنه يعتزم الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، قبل أن يعود ويغرد لاحقاً، على "تويتر"، بعد تصاعد الاعتراضات، بأنه سيعلن عن موقفه في هذا الموضوع الأسبوع المقبل. لكن المشكلة لم تبارح الساحة، بل باقية إلى أمد "سيتّسم بالاضطراب"، كما قال المفكر الاستراتيجي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977-1981)، زبغنيو بريجينسكي، الذي رحل قبل أيام. وفي خضم حالة الفوضى والغموض والإرباك، ضاع أثر السياسة الخارجية التي شدد وزير الدفاع، جيمس ماتيس، في مقابلته الأخيرة، على أهمية أن تتولى وزارة الخارجية صياغة سياستها بنفسها، وهو تحذير ضمني من مخاطر استئثار البيت الأبيض في إدارة الشؤون الخارجية وتخبطه فيها.

المساهمون