بات مثول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمام فريق المحقق، روبرت مولر، للإدلاء بإفادته في قضية التحقيقات الروسية، مسألة وقت، إذا لم تطرأ تطورات غير متوقعة. هذا السيناريو تزايدت احتمالاته في الآونة الأخيرة، استناداً إلى معلومات رصينة.
وثمة من يذهب إلى حدّ الجزم بأن هذا المثول "المحتوم"، سيؤدي إلى تحول حاد في التحقيقات باتجاه "النظر بعزل الرئيس"، كما تقول الخبيرة في هذا الحقل، جيلّ واين بانكس، التي عملت مساعدة للمحقق الخاص بفضيحة "ووترغيت" التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون.
ويدعم توقّع بانكس، تصريح ترامب الأربعاء، الذي يظهر خشيته من سيناريو التحقيق، فحين سئل خلال المؤتمر الصحافي مع رئيسة الوزراء النرويجية إيرنا سولبيرغ عمّا إذا كان على استعداد لاستنطاقه من قبل مكتب مولر، أجاب أنه "عندما لا يكون هناك تواطؤ ثابت بين حملته والروس، عندئذ يكون من المستبعد إجراء حتى ولو مقابلة" مع فريق التحقيق. علماً أنه في يونيو/حزيران الماضي، أبدى استعداده "مائة بالمائة" كما قال، للجلوس مع المحققين وجهاً لوجه والرد على أسئلتهم حول ملابسات التدخل الروسي في الانتخابات.
تغير الموقف يدل على أن التحقيق قطع شوطاً بعيداً في كشف سريات هذا الملف، كما أن الانقلاب في موقف ترامب عزّز الشكوك والشبهات بوجود تواطؤ وبتدخل البيت الأبيض لعرقلة سير التحقيق وبالتالي "سير العدالة". كما أوحى هذا التبدل بأن ترامب "بدأ يشعر بسخونة" التحقيق حسب تعبير ماكس بوت من "مجلس العلاقات الخارجية" للدراسات والبحوث، بما قد يعرضه للمساءلة إن لم يكن أكثر.
رفض التجاوب ليس بخيار، فعلى ترامب الحضور مع محاميه إلى جلسة للرد على استفسارات المحقق، وإذا امتنع متذرعاً بالامتياز الرئاسي، عندئذ يمكن للمحقق مولر تسطير مذكرة استدعاء لمثول الرئيس أمام هيئة محلفين للإدلاء بما عنده من معلومات، تحت القسم القانوني ومن دون مرافقة المحامي، وهذا بديل أخطر، لأن مجانبة الحقيقة فيه جريمة.
وفي كلتا الحالتين "عليه المشي بين الألغام" كما تقول الخبيرة بانكس، ولهذا تردد أن فريق ترامب القانوني يجري مفاوضات مع مولر "لتحديد دائرة" الأسئلة المزمع طرحها على الرئيس بحيث لا تكون مفتوحة على مداها، أو لطرح هذه الأسئلة والرد عليها خطياً. لكن الاعتقاد أنه من المستبعد تجاوب مولر بالصورة المرغوبة، مع أي من الطلبين.
مع هذه المحطة، تبدأ معركة ترامب مع القانون، لا مكان للسياسة والتويتر والخطاب الشعبوي فيها، وهي لا تخلو من المخاطر والمطبات والمنزلقات الكثيرة، تبدأ من التناقضات في تصريحاته ومواقفه وأقواله وتنتهي في علاقاته المالية في الخارج، مروراً بالمعلومات التي ربما يكون مولر قد حصل عليها من اثنين من كبار معاوني ترامب، الجنرال مايكل فلين والمستشار جورج بابادوبولوس، بعدما عقد صفقة معهما لتزويده بما لديهما من مستمسكات مقابل إعفائهما من العقوبة. وهذا أكثر ما يشغل البيت الأبيض وفريقه القانوني، الذي شهد خلافات في صفوفه حول صياغة موقف دفاعي موحد.
وما يفاقم الأمور أنه في الوقت الذي يضيق فيه خناق التحقيقات، تتزايد فيه هفوات الرئيس وبما يزيد من ضعف رصيده والتعاطف معه. وكان آخرها، أمس الخميس، في توصيفه العنصري المهين للمهاجرين ذوي البشرة الداكنة من هاييتي ومن بلدان أفريقية، كما يتوالى الحديث وبصوت أعلى، حول "ضعف قدراته العقلية وطاقته على الاستيعاب وعدم اتزانه" بوتيرة لم يعرفها تاريخ الرئاسة الأميركية.
تقترب رئاسة ترامب من نهاية عامها الأول وهي مثقلة بالمتاعب والتحديات الخطيرة التي تهدد السنوات الثلاث المتبقية منها، إذا بقيت.