بعد أشهر من عروض الفكاهة و"المسخرة" التي قدمها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لجمهور المتفرجين داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، وبعد أشهر من الصراخ، والتهريج، والتغريد النشاز، يبدو أن "ترامب الرئيس" قرر تغيير جلده، والانتقال من أداء أدوار الكوميديا، إلى لعب أدوار التراجيديا المُبكية، أو ربما انتقل الرئيس الأميركي في أدائه من "تلفزيون الواقع"، الذي عاشه لسنوات، إلى الواقع المُتلفز، الذي لم يَخبره من قبل.
بالأمس نجح دونالد ترامب في تمثيل مشهد "مؤثر" و"مُبكٍ"، عندما تحدث، في أول خطاب له أمام الكونغرس، عن الجندي الأميركي، وليام رايان أوينز، الذي قُتل في عملية عسكرية في اليمن، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي. واستطاع ترامب، الذي تقمص نبرة صوت لا تشبهه، إبكاء أرملة أوينز، كاري، بينما تولت ابنته الجميلة إيفانكا، مهمة "الطبطبة" على كتف الزوجة المكلومة.
ترامب الذي حفظ نص الخطاب، أو السيناريو، في السيارة التي أقلته من البيت الأبيض إلى مبنى الكونغرس، حاز على تصفيق الجمهور الحاضر بعد أن ردد كلمات مؤثرة عن "أوينز الذي مات كما عاش، بطلاً يحمي بلده". ويبدو أن أداء ترامب لم يخدع جمهور الحاضرين في مسرح الكونغرس وحسب، بل إنه نجح في إحداث اختراق عجيب في صفوف صناع "الأخبار الكاذبة"، فنسي الإعلاميّون شتائم ترامب لهم، وتناسوا اتهاماته لهم ببثّ أخبار كاذبة، وأشادوا بخطاب الرئيس التاريخي. بل اعتبر بعضهم أنّ "ترامب أصبح منذ تلك اللحظة رئيساً".
إنه ترامب الساحر الذي فاق تأثيره على المشاهدين تأثير أفضل نجوم هوليوود، واستطاع في مشهد درامي قصير خطف قلوب الأميركيين، بمساعدة "سيدة أميركا الأولى"، ابنته إيفانكا، التي ساندته بإكمال المشهد بلمسة حنان أنثوية، إذ احتضنت الأرملة كاري أوينز، ومسحت دموعها برقّة مُؤثرة. أربع سنوات، وربما ثماني سنوات، مقبلة، سيكشف خلالها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب عن جوانب خفية من شخصيته التي ينشغل أخصائيون نفسيون، في تحليلها، بينما هو يتابع الرقص على حبال "الشعبوية" الأميركية، مرة بتهييج المشاعر القومية العنصرية، ومرة بشحن العواطف وتأجيجها، في مشاهد مركبة، تشبه أفلام هوليوود، وتستحق أرقى جوائز الأوسكار.