19 أكتوبر 2019
ترامب... استقواء بالخارج واستضعاف القوة الأميركية
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، قبل أسبوعٍ من تسلمه مقاليد السلطة في القوة الأولى في العالم، في موضع حرج، بسبب تقرير نشر على الإنترنت أخيراً، يتضمن معلوماتٍ حول فضائحه الجنسية في روسيا، وتورّطه ورجاله المقرّبين مع الروس في الـتأثير على الحملة الانتخابية للرئاسيات الأميركية لتحييد منافسته هيلاري كلينتون. ليست الفضائح الجنسية لترامب جديدةً بالنسبة إلى الأميركيين، لكن تسريب معلوماتٍ عن سلوكات محرجة، وعن علاقاته مع الروس في التقرير، يمثل صدمةً قوية، على الصعيدين السياسي والشعبي، لأنه، لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، "يتآمر" مرشح أميركي ثم رئيس منتخب مع دولة منافسة، بل ومعادية في نظر قطاعاتٍ واسعة من السياسيين والشعب الأميركيين، للتأثير على الحملة الانتخابية، وفيما بعد على مسار العلاقات الأميركية -الروسية. هكذا، بسبب سلوك ترامب، تبدو القوة الأولى في العالم كأنها دولة "عادية"، تحولت إلى ساحةٍ لعبث أطرافٍ خارجية بالتأثير على انتخاباتها بالتآمر مع أحد المرشحين للرئاسة. تطرح ظروف الحملة الانتخابية الأميركية والتسريبات عدة إشكاليات بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.
أولها، تحول، أو على الأقل الانطباع بتحوّل، القوة الأولى في العالم إلى دولةٍ "عادية"، يمكن لدولة أخرى أن تتدخّل في انتخاباتها، وتؤثر، بشكل أو بآخر، على نتائجها. بمعنى أن إنكشاف الولايات المتحدة بلغ مستوياتٍ أصبح في وسع روسيا أن تتدخّل كما يحلو لها في سياستها الداخلية، للتأثير فيما بعد على سياستها الخارجية. بينما تعودت أميركا على العمل على التأثير على السياسات الخارجية للدول الأخرى، لأجل التأثير على سياساتها الداخلية. فهل تعبر هذه "النقلة" على أفولٍ من نوع آخر للقوة الأميركية؟ يمكن القول إنه إذا كانت العمليات الإرهابية في "11 سبتمبر" 2001 انتهكت قداسة سلامة التراب الأميركي الذي لم يعرف هجوماً (ما عدا الهجوم الياباني على بيرل هيربل في جزر هاواي)، فإن ارتباطات ترامب الروسية وضعت حداً لقداسة سلامة السياسة الأميركية الداخلية، بجعلها، ولأول مرة، عرضةً لمناورات قوة كبرى وتغلغلها.
ثانيها، اعتماد مرشح، ثم رئيس منتخب، سيتولى السلطة بعد أسبوعٍ على قوةٍ منافسةٍ تعتبر قوةً معادية لأميركا، يعني الاستقواء بالخارج (روسيا) ليس فقط لاستضعاف الداخل لغاية السلطة.
وهذه ممارسةٌ معروفةٌ في الدول غير الديمقراطية، حيث تعتمد الأنظمة التسلطية على قوى خارجية، وتحمي مصالحها، استضعافاً للداخل، حتى تبقى في السلطة. فهل يشير هذا التطور أيضاً إلى تحوّل القوة الأولى في العالم إلى دولةٍ "عادية"، ريثما تُطوى حقبة ترامب، حقبة إشكالية بكل المقاييس، حتى قبل أن تبدأ رسمياً.
ثالثها، للاستقواء بالخارج ثمنه. وفي حال قوة عظمى قد يكون هذا الثمن باهظاً. فقد قيل إن دعم الروس وتشويشهم على الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون كان مقابل مواقف سياسية للرئيس الجديد، تتوافق ومصالحهم، فضلاً عن وعود استثمارية، ما لا جدال فيه، وبغض النظر عن مضامين المفضوح والمستور في العلاقة بين ترامب وروسيا، وهي علاقة قديمة بعض الشيء، فإن ثمن التورّط الروسي في السياسة الداخلية الأميركية سيكون مرتفعاً، وربما قد تم التفاوض عليه، وبالتفصيل، مع ترامب. فالأخير رجل أعمال قبل أن يكون سياسياً، وبالتالي، هو أدرى بخبايا المفاوضات والمساومات. ومن ثم، من المنتظر أن يعيد (الكونغرس المعروف بعدائه لروسيا سيكون له بالمرصاد) ترامب النظر في السياسة الأميركية حيال روسيا، بدءاً برفع العقوبات عنها، أو على الأقل الالتفاف عليها، في انتظار التوصل إلى اتفاق مع الكونغرس لرفعها نهائياً. وهذا مستبعد إلى حد كبير، نظراً لمواقف الكونغرس البنيوية.
رابعها، في حال تنكّر ترامب لوعوده، وأدار ظهره لحليفه الروسي، فإن الروس سيوظفون فضائحه الجنسية، لإجباره على الرضوخ لإرادتهم، وإلا فقد ينهون مستقبله السياسي بنشر وثائق أو صور تورّطه وتفضحه. وهذا بحد ذاته خطر على السياسة الأميركية التي قد تصبح، لأول مرة، تحت رحمة دولة كبرى، ليس بفضل قوة الأخيرة، وإنما بسبب السلوكات المحرجة للرئيس الأميركي.
خامسها، وبالنظر إلى ما تقدّم، شرعية ترامب السياسية على المحك. فإذا كان لا أحد يطعن في شرعيته القانونية، لأنه فاز في الانتخابات الرئاسية ديمقراطياً، وفق القواعد والمعايير المعمول بها في النظام الأميركي، فإن الطعن في شرعيته السياسية بدأ قبل انتخابه وبعده، وذلك حتى قبل أن يتولى الرئاسة يوم 20 يناير. إنها سابقةٌ أخرى في تاريخ الولايات المتحدة.
ونافلة القول إن ترامب الذي انتخب على أساس شعار إعادة الاعتبار للقوة الأميركية، لتكون
أحسن مما كانت عليه، قام، من خلال تصرفاته، بعكس ذلك تماماً، على الأقل في الراهن. فعوض أن يعمل على إدامة المناعة الداخلية الأميركية التي هي سند عدم انكشافها محلياً وخارجياً، فسح المجال لأطرافٍ خارجية لاختراق الجسد السياسي الأميركي. وبالتالي، فقد كل المصداقية. فمن يصدّق رجلاً يقول باسترجاع هيبة القوة الأميركية، في الوقت الذي يتواطأ فيه مع الخارج (الروسي)، ويستقوي به للفوز في الانتخابات الرئاسية؟
ربما أحد الدروس المستخلصة من مسلسل فضائح ترامب وسلوكياته المحرجة أن الرجل لا يفرق بين زمن الحملة الانتخابية الذي تكون فيه التصريحات غير محدودة السقف، في غالب الأحيان، لأن الوعود (الانتخابية) لا تلزم إلا من يتلقاها، وزمن ممارسة السياسة الذي يقتضي الحذر والحكمة والتوازنات في سياق (أميركي) له مميزاته وخصائصه. إغفال ترامب هذا الأمر قد يدخله في صراع حاد وطويل مع الكونغرس، يجعل الولايات المتحدة تعرف حكومة تعايش داخل "العائلة الجمهورية" الواحدة.
أولها، تحول، أو على الأقل الانطباع بتحوّل، القوة الأولى في العالم إلى دولةٍ "عادية"، يمكن لدولة أخرى أن تتدخّل في انتخاباتها، وتؤثر، بشكل أو بآخر، على نتائجها. بمعنى أن إنكشاف الولايات المتحدة بلغ مستوياتٍ أصبح في وسع روسيا أن تتدخّل كما يحلو لها في سياستها الداخلية، للتأثير فيما بعد على سياستها الخارجية. بينما تعودت أميركا على العمل على التأثير على السياسات الخارجية للدول الأخرى، لأجل التأثير على سياساتها الداخلية. فهل تعبر هذه "النقلة" على أفولٍ من نوع آخر للقوة الأميركية؟ يمكن القول إنه إذا كانت العمليات الإرهابية في "11 سبتمبر" 2001 انتهكت قداسة سلامة التراب الأميركي الذي لم يعرف هجوماً (ما عدا الهجوم الياباني على بيرل هيربل في جزر هاواي)، فإن ارتباطات ترامب الروسية وضعت حداً لقداسة سلامة السياسة الأميركية الداخلية، بجعلها، ولأول مرة، عرضةً لمناورات قوة كبرى وتغلغلها.
ثانيها، اعتماد مرشح، ثم رئيس منتخب، سيتولى السلطة بعد أسبوعٍ على قوةٍ منافسةٍ تعتبر قوةً معادية لأميركا، يعني الاستقواء بالخارج (روسيا) ليس فقط لاستضعاف الداخل لغاية السلطة.
ثالثها، للاستقواء بالخارج ثمنه. وفي حال قوة عظمى قد يكون هذا الثمن باهظاً. فقد قيل إن دعم الروس وتشويشهم على الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون كان مقابل مواقف سياسية للرئيس الجديد، تتوافق ومصالحهم، فضلاً عن وعود استثمارية، ما لا جدال فيه، وبغض النظر عن مضامين المفضوح والمستور في العلاقة بين ترامب وروسيا، وهي علاقة قديمة بعض الشيء، فإن ثمن التورّط الروسي في السياسة الداخلية الأميركية سيكون مرتفعاً، وربما قد تم التفاوض عليه، وبالتفصيل، مع ترامب. فالأخير رجل أعمال قبل أن يكون سياسياً، وبالتالي، هو أدرى بخبايا المفاوضات والمساومات. ومن ثم، من المنتظر أن يعيد (الكونغرس المعروف بعدائه لروسيا سيكون له بالمرصاد) ترامب النظر في السياسة الأميركية حيال روسيا، بدءاً برفع العقوبات عنها، أو على الأقل الالتفاف عليها، في انتظار التوصل إلى اتفاق مع الكونغرس لرفعها نهائياً. وهذا مستبعد إلى حد كبير، نظراً لمواقف الكونغرس البنيوية.
رابعها، في حال تنكّر ترامب لوعوده، وأدار ظهره لحليفه الروسي، فإن الروس سيوظفون فضائحه الجنسية، لإجباره على الرضوخ لإرادتهم، وإلا فقد ينهون مستقبله السياسي بنشر وثائق أو صور تورّطه وتفضحه. وهذا بحد ذاته خطر على السياسة الأميركية التي قد تصبح، لأول مرة، تحت رحمة دولة كبرى، ليس بفضل قوة الأخيرة، وإنما بسبب السلوكات المحرجة للرئيس الأميركي.
خامسها، وبالنظر إلى ما تقدّم، شرعية ترامب السياسية على المحك. فإذا كان لا أحد يطعن في شرعيته القانونية، لأنه فاز في الانتخابات الرئاسية ديمقراطياً، وفق القواعد والمعايير المعمول بها في النظام الأميركي، فإن الطعن في شرعيته السياسية بدأ قبل انتخابه وبعده، وذلك حتى قبل أن يتولى الرئاسة يوم 20 يناير. إنها سابقةٌ أخرى في تاريخ الولايات المتحدة.
ونافلة القول إن ترامب الذي انتخب على أساس شعار إعادة الاعتبار للقوة الأميركية، لتكون
ربما أحد الدروس المستخلصة من مسلسل فضائح ترامب وسلوكياته المحرجة أن الرجل لا يفرق بين زمن الحملة الانتخابية الذي تكون فيه التصريحات غير محدودة السقف، في غالب الأحيان، لأن الوعود (الانتخابية) لا تلزم إلا من يتلقاها، وزمن ممارسة السياسة الذي يقتضي الحذر والحكمة والتوازنات في سياق (أميركي) له مميزاته وخصائصه. إغفال ترامب هذا الأمر قد يدخله في صراع حاد وطويل مع الكونغرس، يجعل الولايات المتحدة تعرف حكومة تعايش داخل "العائلة الجمهورية" الواحدة.