ترامب إلى خسارة أصوات العرب الأميركيين

24 سبتمبر 2019
+ الخط -
تاريخياً، كان معظم الأميركيين العرب يميلون إلى الحزب الجمهوري، لأسباب عدّة، بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي، فالحزب الجمهوري محافظ اجتماعيا ودينيا، يجد فيه المحافظون العرب حماية لأبنائهم من ليبرالية الديمقراطيين، وهم في معظمهم من الشرائح العليا من الطبقات الوسطى وما فوقها، من أطباء ومهندسين ومستثمرين، وهؤلاء يميلون، ما لم تكن لديهم رؤية ليبرالية أساسا، إلى الحزب المحافظ، لأنه يخفف ضرائب الأغنياء ويدعم ازدهارهم. 
كانت نقطة التحوّل الأولى في هذا المسار هي أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، والتي جعلت العربي، في أحيان كثيرة، مصدر شبهةٍ في حلّه وترحاله، ولكن المؤشر الكبير كان وصول الرئيس دونالد ترامب إلى تقلّد مقادير الأمور في البيت الأبيض. لا يخفي ترامب عداءه للعرب والمسلمين، وجاءت أفعاله لتبين مدى انحيازه في هذا المجال، بدءاً من حظْر إعطاء تأشيرات الدخول إلى الدول الخمس الشهيرة، وكلها عربية أو مسلمة، إلى نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل ومواقفه المعادية للهجرة. زد على ذلك موقف ترامب المشين من الأنظمة القمعية العربية، وصمته المريب عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وسلوكه المضطرب والمحيِّر في سورية.
ويأتي موقف الجمهوريين من قضية انتشار الأسلحة، بما فيها الهجومية، بين أيدي المواطنين 
الأميركيين، ليزيد من قلق الأميركيين العرب الذين يخشون من أن يكونوا هدفا لاستخدام هذا السلاح. يعتمد المرشّحون الأميركيون الجمهوريون لكل المناصب على دعم لوبي السلاح الأميركي. وقد دفع الاتحاد الأميركي للمسدّسات أكثر من 30 مليون دولار لمساعدة ترامب على الفوز. ذلك كله يجعل الأميركيين من أصل عربي يستشعرون خطرا أكبر من الإدارات الجمهورية.
في عام 2014 طلب استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث من الأميركيين تقييم المجموعات الدينية المختلفة على مقياسٍ يراوح بين صفر ومائة، بحيث تشير الدرجات العليا إلى المشاعر الإيجابية، بينما تشير الدرجات السفلى إلى المشاعر السلبية. أعطى الجمهوريون، ومن يميل إليهم، 33 نقطة فقط للمسلمين، بينما أعطوا الملحدين 34 نقطة. في المقابل، كانت لدى الديمقراطيين مشاعر أكثر إيجابية تجاه المسلمين، وإن كانت أيضا باردة، حيث أعطوا المسلمين 47 نقطة، أي أكثر من الملحدين وحتى من جماعة المورمون، ولكن أقل من الجماعات الدينية الأخرى.
الجمهوريون قلقون من التطرّف الإسلامي أكثر من الديمقراطيين. أظهر استطلاع منفصل، أجرته مؤسسة بيو العام الماضي، أن 82% من الجمهوريين "قلقون للغاية" من ظهور التطرّف الإسلامي في العالم، مقارنة بـ60% من المستقلين السياسيين و51% فقط من الديمقراطيين. وعبّر الجمهوريون، بلا مواربة، عن اعتقادهم بأن الإسلام "من المرجح أن يشجع العنف بين المؤمنين" أكثر من الديانات الأخرى.
جعل ذلك كله كثرة من الأميركيين العرب، مسلمين ومسيحيين، تغادر مواقع الحزب الجمهوري إلى الحزب الليبرالي. واليوم وصلت نسبة شباب الألفية العرب (دون العشرين) الذين سيصوّتون لصالح الديمقراطيين إلى 69%، مقابل 10% فقط قالوا إنهم سيصوّتون للجمهوريين، وفق استطلاع أجراه المعهد العربي - الأميركي.
سيكون لهذا التحوّل، على الأرجح، دور في الانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. وسنراها أكثر في بعض الولايات المتأرجحة بين الجمهوريين والديمقراطيين، مثل ولاية ميتشغان الذي فاز فيها الرئيس ترامب في انتخابات 2016 بعدد ضئيل من الأصوات. وتبلغ نسبة الشباب العرب الذين دخلوا سنّ الرشد في الولاية، وبات يحقّ لهم التصويت في العام المقبل نحو 1% من مجموع الأصوات، وهي نسبة ضئيلة للغاية، ولكنها كافية لتغيير نتائج الانتخابات في الولاية ومثيلاتها.
هناك في الولايات المتحدة عدد صغير من الولايات يحدّد مصير الانتخابات الرئاسية، ذلك أن التوجه السياسي لولاياتٍ كثيرة محسوم سلفا، فكاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وإيلينوي هي ولايات زرقاء، وتصوّت ديمقراطيا دائما، أما ولايات أوهايو وإنديانا وكنساس فهي ولايات حمراء، وتصوّت للجمهوريين دائما. وثمّة ولايات متأرجحة، مثل ميتشغان وفلوريدا وبنسلفانيا، تصوّت مرّة يمينا ومرّة يسارا. وهذه الولايات هي التي، غالبا، تحدّد مصير الانتخابات الرئاسية في أميركا. وهذا تماما هو ما يجعل نسبة الشباب العرب المنقلبين ديمقراطيا مهمة في ولاية ميتشغان.
قبل "11 سبتمبر" في العام 2001، بدا التحالف بين المجتمع العربي الأميركي والحزب 
الجمهوري طبيعياً خلال تلك الأوقات المبكرة، بالنظر إلى واقع أن الأميركيين العرب هم "رواد أعمال أقوياء، محافظون اجتماعيًا، وحذرون مالياً". وتتماشى هذه الخصائص مع مبادئ الحزب الجمهوري، والحال أن بوش فاز بنسبة 72% من أصوات العرب الأميركيين في الولاية. وبعد أحداث "11 سبتمبر"، سارت الأمور في اتجاه مختلف، ارتفع مستوى رهاب الإسلام، وتمّ استهداف أميركيين مسلمين، واعترض معظم العرب في أميركا على غزو العراق. والنتيجة كانت أن الديمقراطي، جون كيري، فاز بنسبة 85% من أصوات الأميركيين العرب، بينما فاز الرئيس السابق، باراك أوباما، بنسبة وصلت إلى 90%.
ثمّ جاء السلوك المستهتر لدونالد ترامب لتكون الشعرة التي ستقصم ظهر البعير. في بداية عام 2017، وضع الأميركيون السوريون الذين وقفوا مع الثورة السورية، منذ البداية، آمالهم في إدارة جديدة تكون أكثر حزما تجاه جرائم نظام بشار الأسد في سورية، ولكن تخبّط الإدارة الجديدة وجعجعتها التي كانت أكثر من الطحن بكثير جعلت السوريين يفقدون أملهم بالإدارة الجديدة، ويشرعون بالتفكير أكثر في مصالحهم الاقتصادية ومواقفهم الأخلاقية، غير أن الديمقراطيين لا يبذلون أي جهد حقيقي للتواصل مع المجتمع العربي والمسلم في الولايات المتحدة، فمن بين عشرين شخصا يأملون بالترشّح لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2020 عن الحزب الديمقراطي، ثمّة اثنان فقط، هما بيرني ساندرز وجوليان كاسترو، قالا إنهما سيحضران مؤتمر الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، على الرغم من أن المنظّمين دعوا كل مرشح يحوز على ما يفوق 1% للمشاركة في المنتدى.
ولكن أي تواصل هو طريق ذو اتجاهين، فمن جانبٍ على العرب الأميركيين التواصل مع الديمقراطيين، والعمل معهم لإيضاح مواقفهم السياسية والاجتماعية، كما ينبغي للديمقراطيين مدّ جسور حقيقية مع المجتمع العربي في الولايات المتحدة، وليس فقط لأسبابٍ انتخابية.
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح