أدى تراجع سعر صرف الليرة التركية، اليوم الجمعة، إلى انقسام سياسي داخلي ما بين مؤيدٍ للرئيس رجب طيب أردوغان ومنتقدٍ لسياساته، في وقت أكد هذا التراجع فشل الجهود التركية لاحتواء الأزمة مع واشنطن بسبب القسّ الأميركي أندرو روبنسون المعتقل في تركيا، وفشل جهود الوفد التركي الذي أجرى لقاءات مع الأميركيين قبل يومين.
ودخلت تركيا مرحلة جديدة من الأزمات الاقتصادية والنقدية، مع انهيار الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، وصولاً إلى 6.49 أمام الدولار. فبعد دعوة أردوغان المواطنين إلى مواجهة ما وصفه بـ"الحرب الاقتصادية التي تتعرض لها أنقرة"، وإعلانه "الكفاح الوطني"، وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمسَته المُتشفية، في محاولةٍ لتعميق الأزمة، فأعلن في تغريدة على موقع "تويتر" استكمال حربه التجارية ضد أنقرة بزيادة الرسوم الجمركية على صادرات تركيا من الصلب والألمنيوم إلى نسبٍ قاسية جداً.
وقال ترامب في تغريدته: "أصدرت للتو أمراً بمضاعفة رسوم الصلب والألمنيوم في ما يتعلق بتركيا، في الوقت الذي تتراجع فيه عملتهم، الليرة التركية، تراجعاً سريعاً أمام دولارنا القوي جداً". وأضاف الرئيس الأميركي: "رسوم الألمنيوم ستصبح 20 في المئة، والصلب 50 في المئة.علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حالياً".
من جهته، أجرى أردوغان، وبعد تغريدة ترامب، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تناولا فيه العلاقات المشتركة بين الطرفين، فضلاً عن ملفات المنطقة، ليخرج بعدها الرئيس التركي في كلمة له أمام الجموع، يعلن فيها أنه تحدث مع نظيره الروسي وأن عدد السياح الروس لتركيا سيبلغ نحو 20 مليون سائح، ما سيساهم في ثبات الاقتصاد التركي، مطمئناً الشعب على أن كل شيء تحت السيطرة، ولن يساهم تراجع العملة في وقف النمو الاقتصادي.
وإزاء هذا التراجع، انقسمت آراء الأحزاب السياسية في تركيا. ففي الوقت الذي وجهت فيه المعارضة التركية أسهم تراجع العملة التركية إلى أردوغان وسياساته، فضلّ البعض الحياد، دعماً للاقتصاد، منتقداً فريق أردوغان الاقتصادي، في حين دعمت أحزاب أخرى الحكومة الحالية.
وغرّد كمال كلجدار أوغلو، زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، عبر حسابه على "تويتر"، منتقداً الحكومة: "إن ذوبان الليرة التركية أمام الدولار كالشمع يظهر نتيجة عدم عمق رؤية الحكومة، وعدم أهليتها، فوصلنا إلى نقطة يتم فيها سد الديون عبر الديون، ولسد ديون الفوائد سيتم الاقتراض أيضاً".
أما ميرال أكشنر، زعيمة الحزب "الجيد"، فهي أعلنت "وقوفها" إلى جانب الحكومة، لكنها لم توفر عليها انتقاداتها، حيث أفادت "حزب الجيد يقارب الموضوع بشكل فوق السياسي، وهو يقف إلى جانب حكومة البلاد في وضع خارطة طريق للوصول بالاقتصاد ورأس المال إلى برّ الأمان، ولذلك يكفي فهم جدية الموضوع، وعدم التدخل باستقلالية المصرف المركزي، وإنقاذ الاقتصاد من سيطرة الصهر (تقصد صهر أردوغان، وزير المالية براءت البيرق)، فضلاً عن الابتعاد عن المحيط الاقتصادي الذي يغالط أردوغان"، محذرة من أن عدم الانتباه لهذه الأمور "سيقود تركيا مجدداً إلى صندوق النقد الدولي".
من جهته، دعم زعيم "الحركة القومية" وحليف أردوغان دولت باهتشلي الحكومة، مبيناً أن "ارتفاع أسعار العملة الأجنبية ليس وراءه الاقتصاد، بل الابتزازات السياسية والدبلوماسية، ونحن لم ولن ننحني أمام هذا الأمر"، قاصداً الدولة التركية. كما تلقى أردوغان دعماً مماثلاً من رئيس "حزب الوحدة الكبرى"، مصطفى دستجي.
وإزاء هذا الانقسام، يترقب الشارع التركي بعينٍ مآلات سعر صرف الليرة التركية بعد الانهيار الكبير اليوم، وبالعين الأخرى الخطوات المقبلة لواشنطن، جراء تعثر صفقة الإفراج عن القس الأميركي المتهم بارتباطه مع جماعة الخدمة، وحزب العمال الكردستاني، وهي كيانات مصنفة إرهابية في تركيا.