تراث قطر البحري في أوّل معجم من نوعه

12 يناير 2015
المعجم هو الأوّل من نوعه في قطر(العربي الجديد)
+ الخط -
صدر حديثاً في قطر "معجم مصطلحات الغوص على اللؤلؤ والحياة البحرية في الخليج"، جمعه وحقّقه الدكتور، ربيعة بن صباح الكواري، الباحث القطري في التراث والتاريخ الاجتماعي والاتصال.

يهدي الكواري مؤلّفه للإنسان الخليجي "الذي كافح في غياهب البحر ومتاهاته بحثاً عن لقمة العيش والرزق الحلال". ويقول هذا الإهداء المختصر الكثير عن المشروع الكبير الذي نفّذه الكواري وتبنّته مؤسّسة الحيّ الثقافي في قطر – كتارا، التي طبعت ووزّعت المعجم، ضمن نشاطاتها الرامية إلى حفظ التراث القطري والخليجي وأرشفته وإعادة إحيائه.

فهذا المؤلف لا يوثّق فقط جزءاً من تراث الحياة البحرية الخليجية بل يكرّم أهلها الذين لهم فضل كبير في تطوّر الحياة الاقتصادية ووصولها إلى مراتب عالية اليوم، فقد كان لجهودهم الفضل في استمرار الحياة في هذه المنطقة من العالم، وتأسيس المجتمعات الخليجية المزدهرة اقتصاديّاً اليوم، بفضل الثروة النفطية التي عوّضت اندثار تجارة اللؤلؤ وانتقال الغوص والصيد إلى صفحات التاريخ.

في تقديمه للكتاب، يكتب الأستاذ، عبد الرحمن بن صالح الخليفي، رئيس المؤسسة العامّة للحيّ الثقافي، عن أهمّية حقبة الغوص في تاريخ الخليج العربي، وأهمّية هذا المعجم كمصدر ثقافي واسع لأجيال اليوم والغد، ويكتب مدير عام كتارا، الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي، عن أهمية التراث البحري كجزء من الهوية الوطنية القطرية.

المعجم هو الأوّل من نوعه في قطر، ولعلّه من أبرز المعاجم المتخصّصة في التراث الخليجي، وهو يعرض أكثر من 400 مفردة من التراث البحري الخليجي بالشرح والتفصيل، وأيضاً التشريح اللغوي، موضحاً أصول الكلمة وجذورها وما إذا كانت عربية أصيلة أم مشتقّة من اللغات الأجنبية، كالإنجليزية والتركية والفارسية والهندية.

كما شرح المعجم أماكن تلاقي المفردات بين بلد خليجي وآخر، وكذلك تمايزها، ما يزيده ثراءً وتنوّعاً.
عن هدف المعجم يقول الكواري: "يسعى هذا المعجم إلى حصر المصطلحات التي كانت شائعة في مجتمعات الخليج العربي، إبّان عصر الغوص على صيد اللؤلؤ والعمل في البحر قبل اكتشاف النفط، حيث انتشر في تلك الفترة العديد من المصطلحات التي ذابت مع الزمن واندثرت بفعل تداخل الثقافات والتطوّر التكنولوجي".

وعن مصادر المعجم يقول: "قمنا بجمع المادة من مصادر عدة، منها وارد في المدوّنة الخاصّة بالمؤلف، والدراسات السابقة التي تناولتها بشيء من التفصيل، وبعض المعاجم والموسوعات العربية والأجنبية والمترجمة، وكذلك بعض الدراسات غير المنشورة التي أفادتنا كثيراً في إنجاز هذا المعجم المختصر".

أقسام المعجم
تتوزّع المصطلحات على المحاور التالية:

1- السفينة وطاقمها وأجزاؤها وأنواعها وأدواتها وموادها التموينية، ومن أبرز أسماء السفن التراثية:
"البتيل" التي تصل حمولتها بين 20 و50 طناً، تستخدم للغوص وهي تشبه سفن الفينيقيين، و"البقّارة" التي سمّيت نسبة إلى شكل مقدّمتها التي تشبه رأس البقرة. أما "جالبوت" فهي أحد أنواع السفن الشراعية المفضّلة خليجيّاً وتسميتها دخيلة من الإنجليزية، كذلك تسمية سفينة البوم، وهي من أشهر أنواع السفن، وتتخصّص في نقل البضائع عبر موانئ دول الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي بشكل خاصّ، وموانئ دول أخرى كالهند وباكستان وبعض دول أفريقيا...

2- الدروب البحرية والرياح والنجوم والفلك، وتتصدّر الكتاب خريطة لمياه الخليج العربي، وزّعت عليها أسماء هذه الدروب وحقول المحار (التبراة) وحقول الأسماك التي سميت باسم مكتشفيها، وغالباً ما كانوا يعثرون عليها صدفة، كما توضح الخريطة أماكن المياه الضحلة والجزر الرملية التي تظهر في حالات الجزر القوي.

3- الأسماك والكائنات والقواقع والطفيليات البحرية ووسائل الصيد، وتجارة اللؤلؤ وأنواعه وأشكاله وأحجامه.

4- الأمراض البحرية التي تصيب أهل البحر والكائنات البحرية والأعشاب، والأدوية المتعلقة بها.

5- قوانين وضرائب الغوص.

6- أنواع الحبال والأخشاب.

7- المقاييس والأوزان الخاصة بتجارة اللؤلؤ أي الطواشة وأيضاً تجارة الأسماك.

8- الغناء والعزف البحريان أناشيد الصيادين والغوّاصين.

9- القصص والأساطير والمرويات الشعبية عن الحياة البحرية، وأبرزها أسطورة "مي وغيلان" وأسطورة "بو درياه" أو وحش البحر.

10- المصطلحات الجغرافية المتّصلة بحياة البحر.

11- الآبار والمياه.

12- الطيور.

13- الكوارث البحرية والأزمات المالية المتصلة.

تتوزّع المصطلحات أبجديّاً، أي على 28 باباً. يمكننا أن نقسم الكتاب ذا الطباعة الراقية إلى قسمين رئيسيين، الأوّل هو المعجم مع المصادر والمراجع، والثاني هو الملحقات، أوّلها كشّاف المصطلحات والثاني مخصّص للصور والوثائق المصوّرة، التي تعتبر إضافة متميزة إلى المادة المكتوبة، وفيها صور نادرة، مثل صفحة من ديوان شعر الشيخ، جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني، مؤسّس قطر، وهو مطبوع في الهند سنة 1325 هجرية، وهو أوّل ديوان شعر نبطي يطبع في الخليج العربي، كذلك مخطوطة نادرة بخطّ شاعر قطر، محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، المتوفّى عام 1939 ميلادية، وهي قصيدة "هذا الهوى لو عاملٍ بالحشا دار"... إضافة إلى صور قديمة لتجّار اللؤلؤ والغوّاصين والبحارة والصيادين والنهّامة وكائنات بحرية ومراكب وسفن...

يكشف معجم "مصطلحات الغوص على اللؤلؤ والحياة البحرية في الخليج" عن الجانب الفنّي للحياة البحرية قبل النفط في الخليج العربي. وفي تعريفه للنهّام، أي مطرب السفينة، يرد أنّه يعتبر أحد الأفراد الذين لا يُستغنى عنهم إبّان أسفار الغوص. وقد كان ربابنة الغوص يقومون باختيار النهامين الذين يمتازون بحسن طبقة أصواتهم، لكي يكونوا عوناً على تحقيق أفضل قدر من الراحة للبحارة أثناء رحلة الغوص، وخاصة أثناء الخطفة أو التجديف أو جرّ حبل المرساة.
ويرد العديد من ألوان الفنون الغنائية البحرية بينها: "افجري" الذي يؤدّى على ظهر سفن الغوص، ويرجّح أن تكون تسميته مشتقّة من كلمة فجر، بسبب تأديته بعد صلاة الفجر وانطلاق العمل الباكر.

"التنزيلة" تطلق على الاستهلال الموسيقي لعدّة أنواع من الغناء البحري على ظهر سفن الغوص، وهي مشتقة من التنزيل، وتدلّ على نزول اللحن وانخفاضه. و"الحدوة" تُغنّى على ظهر سفن الغوص والأسفار. أمّا "الموّال" فهو أحد فنون الشعر العامي والدارج في المجتمع الخليجي، ويستعمل فيه الجناس اللفظي والسجع والجناس الكامل.

ويورد المعجم أسماء عدد من شعراء النبط مثل محمد بن عبد الوهاب الفيحاني وعبد الله بن سعد المسند المهندي، وشعراء البودهيم وعبد الله الفرج وفرج أبو متيوح وراشد بن فاضل البن علي وحسين أبو رقبة وغيرهم.

الكوّاري بين البحث والتأليف والجمع
يُذكر أنّ الكواري، الحائز على الدكتوراه في الإعلام من المملكة المتحدة، سبق أن أصدر عدداً من المؤلفات في التراث الخليجي والقطري أبرزها: الأغنية الشعبية والهوية عام 2014، الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني عام 2013، الشعر الشعبي والاتصال الإنساني في الخليج عام 2005..

كما شارك الكواري في عدد من الورشات التراثية بينها ورشة الأمثال الشعبية في المجتمع القطري - 2013، وورشة فنّ النهمة والنهّامين في مجتمع الغوص القطري في العام نفسه، وورشة أساطير وخرافات الأدب الشعبي القطري القديم وورشة الغوص على اللؤلؤ في مدينة الخور القطرية...
دلالات
المساهمون