في ظل حروب وصراعات عسكرية متواصلة في اليمن، طوال السنوات الثلاث الأخيرة، تآكلت الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي من النقد الأجنبي، من 4.2 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2014، إلى 600 مليون دولار في مايو/أيار 2016، تغطي واردات أقل من شهرين، بحسب صندوق النقد الدولي.
ويرجع خبراء الاقتصاد هذا التراجع المخيف في الاحتياطي إلى حرب التحالف العربي الذي تقوده السعودية على جماعة الحوثيين، ولأسباب أخرى أهمها تعطل معظم الموارد التي تغذي النقد الأجنبي وأبرزها صادرات النفط والغاز. ولذلك، يقف الاقتصاد اليوم عاجزاً عن حماية العملة الوطنية وتمويل واردات السلع الأساسية والوقود.
وانعكس تآكل الاحتياطيات الخارجية في ارتفاع سعر الصرف من 214.9 ريالاً للدولار بداية 2015، إلى نحو 500 ريال في مارس/آذار 2018، بمعدل انخفاض 100%، وهذا ساهم بقوة في زيادة معدل التضخم التراكمي.
كما تسبب جفاف احتياطيات النقد الأجنبي في تدهور حالة الاقتصاد الكلي في اليمن، وضعف فرص الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، أزمات الاقتصاد والقطاع المصرفي بسبب الانقسامات الداخلية المتزايدة، وانقسام البنك المركزي بين الحكومة الشرعية التي تتخذ من عدن مقرا لها وجماعة المتمردين الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء.
ويعتمد اليمن على إيرادات النفط أساساً لتغذية الاحتياطي من النقد الأجنبي، ومنها يتم دفع رواتب موظفي الدولة، وتسبب استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي في توقف البنك المركزي عن دفع الرواتب وتوفير خطوط ائتمان وأسعار صرف لمستوردي الأغذية والوقود من القطاع التجاري الخاص.
وأعلنت السعودية عن دعم العملة اليمنية بملياري ريال كوديعة نقدية، وعلى رغم ذلك تواصل انخفاض قيمة الريال اليمني.
وانخفض سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار بشكل غير مسبوق، خلال تعاملات الشهر الجاري، إذ اقتربت العملة الأميركية من 500 ريال يمني في السوق السوداء، مع عجز البنك المركزي عن إيقاف التهاوي المتسارع في العملة المحلية، فيما لجأ الحوثيون للحلول الأمنية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والنقدية.
وتقف الحكومة المعترف بها دولياً عاجزة عن مواجهة تهاوي الريال، نتيجة نفاد احتياطي البلاد من العملات الصعبة، واستمرار تعطّل البنك المركزي بعد قرابة عام و6 أشهر من قرار نقل إدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة، بدلاً من صنعاء.
وأكد البنك المركزي اليمني أن تدهور الاحتياطيات الخارجية من 5.4 مليارات دولار في سبتمبر/ أيلول 2014، إلى أقل من 600 مليون دولار في مايو/ أيار 2016، أدى إلى تعليق البنوك المراسلة حسابات البنك الخارجية.
وقال التقرير السنوي الصادر عن البنك المركزي اليمني لعام 2017 إن "استنزاف الاحتياطيات الخارجية تسبب باستنفاد خيارات معالجة وضع البنك، وعجزه عن سداد التزاماته الداخلية في صرف المرتبات منذ يوليو/ تموز 2016، وعجزه منذ مايو/ أيار 2016 عن الوفاء بالتزاماته الخارجية في سداد التزامات المديونية الخارجية للجهات الثنائية ومتعددة الأطراف، وتلك الالتزامات التي نشأت للبنوك اليمنية مقابل فتح الاعتمادات المستندية لواردات السلع الأساسية".
وأشار التقرير إلى أن الاستنزاف للاحتياطات الخارجية، أدى إلى استنفاد المخزون النقدي بالعملة الوطنية خلال الفترة ذاتها، والقيام بضخ الأوراق النقدية التالفة الآيلة للتدمير، مقابل عجز البنك عن الطباعة أو استقبال منح وقروض خارجية كونه كان مكبلاً ويرزح تحت الهيمنة والتهديد في صنعاء.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن التهاوي المتسارع للريال يرتبط بالحرب وتداعياتها على مختلف مناحي الاقتصاد، حيث تسببت في توقف الإيرادات النفطية، وتراجع الإيرادات الضريبية والجمركية، وانقسام المؤسسات المالية، واستنزاف احتياطي العملة الصعبة.
وبيّن أستاذ المصارف في المعهد الحكومي للعلوم الإدارية باليمن، طارق عبد الرشيد، لـ"العربي الجديد" أن "احتياطي النقد الأجنبي يمنع حدوث اختناقات في عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية والمحروقات، ويخفف من حدة الاضطرابات، الاستثنائية، في سعر الصرف، ويساهم بفاعلية في تغطية الإصدارات الجديدة من العملة المحلية، كما يساهم في سداد الأقساط المستحقة من المديونية الأجنبية، ويقوي من القدرة التفاوضية للبلد مع الجهات المانحة، ويرفع الجدوى الاقتصادية للاستثمار داخل البلد.
وأوضح عبدالرشيد أن احتياطي اليمن من النقد الأجنبي صفر، وأن رفد الاحتياطي سيمنع حدوث اختناقات في عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية والمحروقات، وسيخفف من حدة الاضطرابات الاستثنائية في سعر الصرف، كما يساهم بفاعلية في تغطية الإصدارات الجديدة من العملة المحلية".
وتتهم الحكومة الشرعية في عدن الحوثيين بنهب احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة لتمويل جهودهم الحربية، عندما كان البنك يتخذ من العاصمة مقراً له، واستخدمت هذه الاتهامات كمبرر لنقل المقر الرئيس للبنك المركزي وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث مقر الحكومة (جنوب)، في منتصف سبتمبر/ أيلول 2016.
ولا يزال البنك المركزي اليمني معطلاً، منذ قرار نقله، إذ تعثّر في دفع رواتب موظفي الدولة وتوفير خطوط ائتمان لمستوردي الأغذية والوقود من القطاع الخاص، ما أدى إلى تعطل شبه تام للقطاع التجاري.
وأوضح الخبير المصرفي عمار الحمادي، لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسات المالية الدولية تعتمد على مستوى احتياطي النقد الأجنبي في إصدار التصنيف الائتماني، من أجل اتخاذ قرار بتقديم قروض أو الامتناع عن ذلك.
وتسبب تراجع احتياطيات اليمن من العملة الصعبة في امتناع البنك الدولي عن تقديم أي قروض جديدة خلال العام الجاري، وأكد البنك الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنه نظر في طلب اليمن وأجرى تقييماً للتصنيف الائتماني للدولة، وأنه نظراً إلى مستوى الاحتياطي وتفاقم الأزمة الاقتصادية، لا يستطيع تقديم أي قروض جديدة.
وفي تقييم وكالات التصنيف الائتماني الدولية لليمن، تؤكد "أعلى مخاطر ممكنة من حيث مناخ الأعمال، وإنه بسبب الافتقار إلى المعلومات المالية المتاحة والنظام القانوني غير المتوقع، فإن ممارسة الأعمال التجارية في هذا البلد أمر بالغ الصعوبة".
وفيما لا ذكر لليمن في تقارير وكالات التصنيف الائتماني الدولية، ذكرت وكالة موديز اليمن من خلال مشروع الغاز الطبيعي المسال الذي استخدمته في تقييم التصنيف الائتماني للشركات المشغلة للمشروع ومنها "هنت" الأميركية، وقالت في تقريرها لعام 2017 إن "استئناف العمليات وتوزيعات الأرباح من اليمن للغاز الطبيعي المسال أو تخفيض الديون بشكل كبير يمكن أن يؤدي إلى تحسين مستوى التصنيف".