تداعيات قاسية على الاقتصاد اللبناني من عقوبات "قيصر"

16 يونيو 2020
ضغوط متزايدة على الليرة اللبنانية أمام الدولار (العربي الجديد)
+ الخط -

يدخل يوم الأربعاء "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" حيّز التنفيذ، إذ يطبق على أربعِ مراحل، بعدما كان الكونغرس الأميركي قد أقرّه ووقع عليه دونالد ترامب في 20 ديسمبر/ كانون الأول عام 2019.

وينصّ "قانون قيصر" على فرض عقوباتٍ هي الأقسى من نوعها على نظام بشار الأسد وداعميه ومموليه، الأمر الذي يضع عدداً من الدول تحت مجهر العقوبات الأميركية، ومن بينها لبنان الذي قد يتأثر للمرة الأولى كدولة وليس "حزب الله" فقط.

وقال سامي نادر، مدير "معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية" لـ"العربي الجديد"، إنّ "تداعيات قانون قيصر على الاقتصاد اللبناني هي بقدر ارتباط الأخير بالاقتصاد السوري، أي بالنظام بطريقة مباشرة"، لافتاً إلى أنّ مفاعيل القانون سبق أن ظهرت على صعيد لبنان حتى قبل دخوله حيّز التنفيذ من خلال الطلب العالي على الدولار الذي شهدناه خصوصاً في الفترة الأخيرة وشراءه وتحويله إلى سورية، ما أدى الى ضرب الليرة اللبنانية وتسجيل غلاءٍ فاحشٍ في الأسعار.

ويشرح نادر أنّ هذه العقوبات تُفرَض على كلّ شخصٍ أو مؤسسةٍ أو طرفٍ يتعامل أو يدعم أركان النظام السوري المالية والعسكرية، ويضع نصب عينيه المصرف المركزي السوري باعتبار أن كلّ المؤسسات السورية لها علاقة بالنظام وأحدث قلقاً على الدولار، وهذا انعكس على لبنان أصلاً، حيث جرى سحب ودائع سوريين في لبنان وحصلت عمليات شراء كبيرة للدولار داخل الأراضي اللبنانية باتجاه تلك السورية من أجل تشكيل احتياط بديل لتأمين حاجات سورية الأساسية، ما أثر بشكل مسبق على الاقتصاد اللبناني وسعر صرف الليرة.

من ناحية ثانية، يقول مدير "معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية" إنّ كلّ ما له علاقة بقطاع النفط، ولا سيما تهريب المازوت، أصبح هدفاً محتملاً للعقوبات الأميركية من خلال "قانون قيصر" الذي وسّع دائرة المشمولين به، وهذه المواد النفطية هي مدعومة من البنك المركزي في لبنان وتهرّب إلى سورية وشهدنا عمليات تهريب المازوت في الفترة الأخيرة إلى داخل سورية بشكل واضح وفاضح، وبالتالي فإنّ كارتيل النفط يلعب دوراً أساسياً بعمليات التهريب إلى سورية، وهناك شركات معروفة بالاسم تُسيطر على قطاع النفط، وقد تكون عرضة للعقوبات الأميركية إذا ثبُتَ قيامها بعملياتِ التهريب.

وبالتالي، فإنّ تداعيات "قانون قيصر" الاقتصادية بدأت تظهر في لبنان، بحسب تأكيد سامي نادر، وخصوصاً من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار بشكلٍ غير مسبوقٍ، فهو بجزءٍ منه مرتبطٌ بما يحصل في سورية حيث يسعى النظام إلى تكوين احتياطي بديل، أكان من العملة الأجنبية أو من المازوت أو من القمح (مدعومٌ أيضاً من مصرف لبنان وهُرّب بكميّات كبيرة منه في الأشهر القليلة الماضية إلى داخل الأراضي السورية).

وأدت فوضى الصرف وفلتان الأسعار في السوق السوداء إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في لبنان وكل البضائع المستوردة، وقد نكون في مرحلة لاحقة أمام تداعيات أقسى بكثير من تلك التي نشهدها اليوم.

ويرى سامر أنّ على لبنان ومن أجل تجنّب هذه التداعيات الخطيرة على اقتصاده أن يقطع العلاقة تماماً مع المؤسسات أو الهيئات المُستهدَفة والتي تدور شبهات حول تعاطيها مع النظام السوري، سواء النفطية أو البنك المركزي اللبناني وحتى الصرافين، وأن يلتزم بضبطِ المعابر غير الشرعية والشرعية لمنع حصول عمليات تهريب إلى الأراضي السورية ولصالح النظام، وأن يبحث إجراءات جديدة في ما يخصّ المصارف اللبنانية الموجودة في سورية عبر فروعها.

من جهته، قال نزار زكا مدير البرامج لدى "المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام" والعضو في فريق "قيصر" لـ"العربي الجديد" إنّ "القانون سيكون له تأثير مباشر على حزب الله، الذي يقاتل في سورية ويتنقل عبر قيادييه ومسؤوليه الحزبيين والشخصيات السياسية التي تدور في فلكه داخل الأراضي السورية. وهو بمثابة رسالة واضحة وصريحة إلى كلّ من بدأ يطرح أخيراً إعادة فتح الحدود بين الجانبين السوري واللبناني وإقامة علاقات ثنائية لغايات تجارية. من هنا، يسود ترقب لموقف الحكومة اللبنانية التي لم يعد بإمكانها إيجاد مخارج وحجج لأي خطوة من هذا النوع".

ويلفت زكا إلى أنّ "قانون قيصر" سيطاول كذلك "جميع الحسابات المصرفية التي تضمّ ودائع أشخاص على علاقة مع النظام السوري".

يذكر أنّ أبرز الصرافين في السوق اللبناني كان البعض منهم على لائحة العقوبات الأميركية، وهم من المقرّبين إلى حزب الله ويعملون لصالحه، ونشط دورهم بعد شحّ الدولار في لبنان وقيامهم بشراء الدولارات من المواطنين بأسعار مرتفعة لتعويم الحزب وتهريب الجزء الأكبر منه إلى سورية.

ويطرح "قانون قيصر" علامات استفهام كثيرة حول مصير "المجلس الأعلى اللبناني - السوري" ودوره في المرحلة المقبلة، وكيفية التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين في لبنان مستقبلاً، وهل ستستمرّ سورية بتزويد لبنان بالكهرباء وغيرها الكثير من الأسئلة التي تبقى رهن المراحل الأربع للقانون، أي حتى أغسطس/ آب المقبل، بانتظار موقف رسمي من مجلس الوزراء اللبناني بشأنه الذي يدرس بتأنٍ طريقة تعاطيه مع القانون، خاصة أنه يخوض اليوم مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية بهدف الخروج من أزمته الاقتصادية والمالية والنقدية الحادّة.

المساهمون