تخلف يلحق بنا في الغربة

02 يناير 2016
ألمانية تقدم مساعدات للاجئين سوريين(Getty)
+ الخط -
قد يسأل أحدهم: ولما تحشرون أنوفكم في ما لا دخل لكم به؟ أنتم تعيشون منعمون في بلاد "متقدمة"... تهزون الشجر فتسقط على رؤوسكم الأموال، عند ذلك الحد قد لا يعنيني كثيرا متسائل يضع يديه في "مانطو" من الجوخ ويلتحف بشال أحمر على رقبته متأففا من منظر لاجئ جاء إلينا يسأل عن مسجد قريب.
"أترين تلك النماذج؟ هي التي خربت البلاد وها هي اليوم تزداد كالفطر بيننا"... يقولها بتأفف "الرفيق" المصاب بهوس "أنا" و"ذاك" ومن صميم التخلف الاجتماعي الممسك بتلابيب غربتنا، فلا الجغرافيا تغير ولا كل الروائح الفواحة قادرة على أن تجعلك بعيدا عن اكتشاف أي نوع من القهر الإنساني يعيشه مثل ذلك "الصديق".
مرت عشرون سنة وربما أكثر بقليل على اغتراب هذا "الصديق"، الذي أصبح واحدا من السائلين عن أنوفنا ودلالات لغتنا عن فلسطين ومصر وسورية والعراق ولبنان واليمن... كلها محظورات... أو ماركة مسجلة لمن هو "السيد" ونحن "العبيد". فالرفيق صار يطلب مني أن أقرأ خزعبلات المحن والفتن لأقتنع بنهاية الزمن. مرت النرجسية بأكثر القوم قربا مني، فانهزمت حتى في سهرات كانت غربتنا والسياسة مشرعة على الطاولة قبل أن يصبح بلا اتفاق موعدنا بألا يخوض أحد فيما يختلف فيه مع أحد غيره. قد لا يصدق بعضهم بأننا فعلا مثل كثيرين بتنا نعيش على حافات العلاقات المحكومة بالتالي: نصف كيلو من البزر والفستق الحلبي ننشغل جميعنا بها حتى نفرغ من الاستماع لتنظير رفاق الأمس عن "المؤامرة". في غربتنا، وهذا كلام مضى زمنه، بفعل محدودية الجغرافيا والعلاقات، من آمن بحق بأننا عشنا كعرب منذ 5 سنوات "مؤامرة كونية" اكتملت بقوافل المهاجرين واللاجئين كدليل حسي على تلك المؤامرة المسماة لديهم بما يعرفه كل صغير وكبير.
اليوم تشتد علينا ظلمة الوحدة، لسنا متحدين، لكننا نعيش بنزق ما تحت قشور التخلف والتملق ونصف ساعة من المجاملة. فجأة تقفز المناكفة حد انفجار الكراهية بمصاب لا يرضي الإنسان السوي. بيننا من يعيش فرحا لحرق معسكر لجوء، ويحصي كم غريقا من اللاجئين غرق، بكلمات تدل على ثقافة مطلقيها دون حاجة لي للكفر بنقل كفر يصعب أن يصدقه عقل.
ماذا نحن أكثر من مجرد "نتف جاليات" نعيش على "حواف مجتمعات راقية"، بالمناسبة هي ذاتها "المتآمرة" على "أسيادنا أطال الله بعمرهم وعمر أولادهم ليرثونا".
قلت لصديقي، إن كتبت هل أنت متأكد بأنهم سينشرون؟
بلا تردد قال: نعم...
إذا، لدي لبعض المفتونين بعظمة روسيا ليس فقط سؤال مهجري، بل أسئلة أكتفي بواحد منها: أيها الرفاق الواضعون سبابتكم وإبهامكم على أنوفكم حين تمرون باللاجئين الهاربين إلى "بلادكم الغربية" من تحت قصف سيدكم، حيث بتم تتحدثون بأقذر من لغة أقذر العنصريين فيها، لماذا تقولون لصديقكم اليساري الغربي: هؤلاء هربوا من داعش... وبينهم داعشيون... أي تحريض هذا؟ وذاك ليس هو سؤالي، بل السؤال الذي سئلتم منذ البداية: إذا كنتم تريدون من المسحوقين الذين تتأففون من وجودهم بينكم أن يرحلوا فلماذا حضراتكم لا تهاجرون إلى رفاقكم في موسكو؟
المساهمون