لا يزال الجدل مستمراً بشأن الإفراج عن "أموال مجمّدة" لصالح ليبيا في بلجيكا، فيما قال المدير السابق للخزينة البلجيكية، مارك مونباليو، في رسالة موجهة إلى بعض النواب البلجيكيين، الأسبوع الماضي، إنّ تحويل بعض الأموال الليبية المجمّدة في بنك "يوروكلير"، أو بالأحرى الفوائد البنكية لهذه الأموال، تمّ بالاعتماد على تفسير للقوانين الأوروبية، مدافعاً عن نفسه بأنه أخذ زمام المبادرة لتحويل هذه الأموال، في حين يحاول الاتحاد الأوروبي نفي أي مسؤولية له حول ذلك.
دلائل قاطعة منذ 2012
الملف الذي وجهه مونباليو إلى بعض النواب البلجيكيين، يحمل دلائل قاطعة تقوّض الحجة الأوروبية الرسمية التي تشرح أن هذه التحويلات لا تدخل ضمن اختصاص دول الاتحاد الأوروبي، ذلك أنّ رسالة إلكترونية أخرى تحمل كل التفسيرات حول التحويلات وملحقاتها، صاحبها مستشار بلجيكا لدى الاتحاد الأوروبي خلال فترة التحويلات، فرانسوا دومون، بالإضافة إلى مذكرة من وزارة المالية البريطانية، تبرز بشكل مؤكّد وجود مشاورات على المستوى الأوروبي، وموقف من المؤسسات الأوروبية، صدر بمباركة مسؤولي الخدمات القانونية في الاتحاد حول الأمر. ويختلف هذا الموقف الأوروبي بشكل كبير عن سلوك خبراء الأمم المتحدة الأقل تساهلاً، كما يبرز ذلك من خلال القرارات الأممية الخاصة بهذا الملف.
ويؤكد مارك مونباليو، في رسالته للنواب البلجيكيين، أنّ الدفعة الأولى لتحويل فوائد الأموال قد تمّت في سبتمبر/ أيلول 2012، بعد رسالة طلب من قبل المؤسسة المصرفية العربية، التي تملك ثلاثة حسابات للمؤسسة الليبية للاستثمار في بنك "يوروكلير"، وأنه قد حرّر مذكرة بهذا الشأن في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، مشدداً على أنّ "المذكرة ليست عبارة عن تفويض إداري، ولكنها خطاب توضيحي يؤكد أن الفوائد غير مشمولة بالتجميد التلقائي". وهو موقف بلجيكي يعتمد في الواقع على القرار الذي تم اتخاذه على المستوى الأوروبي.
ويتابع مونباليو بالقول "أثيرت مسألة تجميد الفوائد عندما تمت إزالة أربعة كيانات ليبية من قائمة الكيانات الخاضعة للتجميد الكلي، وهي مدرجة في مرفقات القرار 2009 الصادر عن الأمم المتحدة الخاص بتجميد الأصول الليبية في الخارج. وقد أدرجت بالفعل هذه الكيانات الأربعة، البنك المركزي الليبي والمصرف الليبي الخارجي والهيئة الليبية للاستثمار والحافظة الليبية للاستثمارات الأفريقية، في فقرة من قرار التجميد نفسه، اعتباراً من 16 سبتمبر/ أيلول 2011". وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2011، تمت إزالة كيانين بشكل تام من القائمة السوداء للأمم المتحدة: البنك المركزي الليبي والبنك الليبي الخارجي، وهو ما دفع بالاتحاد الأوروبي إلى اعتماد القرار الأممي من خلال مذكرة صادرة في 20 ديسمبر 2011، لتبرير تحرير أصول هذه البنوك في أوروبا.
وفي السياق، يذكر الخبير في الشؤون المالية، نيكولا كيسزاي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "مباشرة بعد صدور القرار الأوروبي، دفعت العديد من الدول الأوروبية، لا سيما بريطانيا، من أجل تحرير وتحويل هذه الأموال. فالخزينة البريطانية، على سبيل المثال، تشير في مذكرة بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول 2011، إلى أنه يجب تحويل فوائد هذه الأموال. وإيطاليا فعلت الشيء نفسه. كما أنّ مصرف إتش إس بي سي - لندن، أحد البنوك الذي يمتلك حسابات الهيئة الليبية للاستثمارات، قدّم هذه الحجة للسلطات البلجيكية لضمان الإفراج عن الأموال". ويلفت كيسزاي إلى أنّ "هذه التساؤلات بدأت تطرح على المستوى الأوروبي، بعد سؤال رسمي من قبل ألمانيا"، مضيفاً أنه "في اجتماع لفريق خبراء العلاقات الخارجية، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أجابت الخدمات القانونية في المجلس الأوروبي كما في إدارة الشؤون الخارجية، أنه لم يعد هناك أي أساس قانوني لتجميد الفوائد على هذه الأموال، كما جاء في البريد الإلكتروني لمستشار بلجيكا لدى الاتحاد الأوروبي خلال فترة التحويلات". وبالنسبة لهذا المسؤول البلجيكي، فإنّ هذا الإفراج عن الفائدة "يسري أيضاً على جميع الأجور الأخرى بالإضافة إلى السندات وأرباح الأسهم".
وكما يفسر نيكولا كيسزاي، فإنه "بما أنّ الحسابات كانت مجمّدة، فقد تمّ إيجاد صيغة لهذا التحرير عبر تحويل الفوائد على حساب مصرفي جديد، وبالتالي فقد تم تحويل الأرباح والفوائد من الأموال المحظورة إلى حسابات نقدية لأصحاب الحسابات المصرفية للهيئة الليبية للاستثمارات في البحرين والمملكة المتحدة ولوكسمبورغ، كما أكد ذلك وزير المالية البلجيكي، يوهان فان أوفيرتفيلدت، نفسه"، بحسب كيسزاي.
الموقف الأوروبي
ويؤكّد مارك مونباليو، في رسالته، أنّ "موقف مجلس الخدمة القانونية التابع للاتحاد الأوروبي كان حاسماً في اتخاذ قرار التحويلات"، وهو ما يصرّ عليه أيضاً وزير المال البلجيكي، يوهان فان أوفيرتفيلدت، بالقول "بموجب تفسير لسلطات الاتحاد الأوروبي يعتبر أن تجميد فوائد الأموال المجمدة لكيانات معينة تم رفعه، عملت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي على تحرير وتحويل هذه الأموال".
وبحسب كيسزاي، "لا يشارك خبراء الأمم المتحدة الموقف الأوروبي الأكثر تساهلاً، بحسبهم"، مذكراً بأنّ خبراء في مجلس الأمن الدولي حول ليبيا كانوا قد أعدوا، في سبتمبر/ أيلول الماضي، تقريراً حاداً بخصوص دور الدولة البلجيكية في ملف الأصول الليبية المجمدة. وبحسب خبراء الأمم المتحدة، فإنّ "مسألة وضع الفوائد المالية ومدفوعات أخرى بحرية تحت تصرف الهيئة الليبية للاستثمار، تتعارض مع نظام العقوبات. ونظراً لعدم الاستقرار في البلاد ووجود نزاعات حول سلطة الهيئة الليبية للاستثمار وعدم وجود آلية مراقبة، فإنّ الأمر يمكن أن يؤدي إلى اختلاسات". وقد رأى فريق الخبراء أن هذه الفوائد المدفوعة والمكافآت الأخرى لا تتماشى مع قرارات تجميد الأصول.