تمثل عودة المسار السياسي خلال العام الرابع للحرب في اليمن، أحد أبرز التحولات التي عاشتها البلاد على مدى الشهور الماضية، إذ برزت خلالها تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي سعى لاقتناص التطورات في المواقف الدولية، والتي ترافقت مع تحولات إقليمية ودولية، أبرزها تأثير ما خلفه مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على موقف الرياض من أزمات المنطقة، ضمنها اليمن.
وبدأ غريفيث أولى جولاته في المنطقة في مارس/آذار الماضي، بعد جمودٍ لف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة منذ اختتام مشاورات الكويت في أغسطس/آب 2016، والتي توقف المسار السياسي بعدها لفترة طويلة بلغت نحو العام. واستند غريفيث، الذي خلف الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في فبراير/شباط 2018، إلى خبرته الدبلوماسية وعلاقاته الدولية ودعم غير محدود من مجلس الأمن، والذي كان مواكباً للمبعوث الأممي، خصوصاً مع تصعيد الحديدة في يونيو/حزيران الماضي. وجاء غريفيث مُعززاً بالدعم القوي من مجلس الأمن ومن بلاده بريطانيا (حاملة القلم في الشأن اليمني في مجلس الأمن)، ومن الموقف الدولي الذي بات ينظر، في الغالب، إلى الحرب اليمنية ونتائجها الكارثية من منظور التأكيد على أهمية الوصول إلى حل سياسي، وأن السعودية والإمارات فشلتا في إلحاق هزيمة محورية بالحوثيين، بل إن تدخلهما في الحرب اليمنية فاقم من الأزمة الإنسانية في البلد.
وحاول غريفيث، منذ تدشين مهمته، إخماد الجبهة العسكرية في الحديدة، وفي الوقت ذاته تحريك المسار السياسي، على الرغم من أن كل جهوده تبقى أقرب إلى "مسكنات" في ظل بقاء عوامل التصعيد وغياب الحل السياسي الشامل. وتحولت الحديدة إلى نقطة صدام وصراع إرادات بين الرياض وأبو ظبي من جهة وبين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من جهة أخرى. ومع التصعيد العسكري في الحديدة، في يونيو/حزيران الماضي، وهي المحطة التي مثلت تحولاً محورياً تضاعفت على أثره الجهود الدولية الرامية لوقف المعركة، عقد مجلس الأمن الدولي العديد من الجلسات، ترافقت مع الجولات المكوكية لغريفيث بين صنعاء والرياض وغيرهما، ما أدى في النهاية إلى فرض اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يبقى مهدداً في كل الأحوال.
اقــرأ أيضاً
وقد تدرج مسار تطور الموقف الدولي من تراجع بعض الدول عن الدعم المعلن للتدخل إلى إبداء تحفظات خجولة، ارتبطت إلى حد كبير بالحديدة وبالمجازر التي ذهب مدنيون ضحيتها، بما في ذلك استهداف التحالف حافلة تقل عشرات الأطفال في مدينة ضحيان في صعدة في أغسطس/آب، وهي المجزرة التي أشعلت موجة من ردود الفعل الدولية، بما فيها، إعلان البنتاغون أنه يجري مراجعة لدعمه للتحالف. كما استطاع غريفيث وفريق الأمم المتحدة، عبر جولات ولقاءات مُكثفة وانفتاح على جماعة "أنصار الله" (الحوثيين، عبر زياراته المتكررة إلى العاصمة صنعاء واجتماعه مع زعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عبد الملك الحوثي، إيجاد مخرج سياسي، وتأجيل التصعيد في الحديدة، والذي كان سيؤدي إلى إغلاق الميناء. في سبتمبر/أيلول الماضي، كان غريفيث قد تمكن من انتزاع موافقة الحكومة الشرعية والحوثيين على الحضور إلى جولة مفاوضات جنيف3، لكنها تحولت إلى نكسة إثر غياب وفد الحوثيين وتعثر انطلاق المحادثات.
غير أن كل تلك العوامل، ما كانت لتخلق تغيراً محورياً في مسار الحرب، كما حصل بعد جريمة قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، والتي أجبرت الرياض، أملاً في تخفيف الضغوط، على التراجع عن تعنتها أمام التحركات البريطانية والأميركية لترجيح فرص الحل السياسي. وفي السياق، يذهب العديد من اليمنيين إلى أن اتفاق السويد في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يكن بعيداً عن التحولات التي أعقبت جريمة مقتل خاشقجي. وتحدثت تسريبات جرى تداولها في الأوساط السياسية اليمنية، عن أن موافقة الوفد الحكومي، الذي رأسه خالد اليماني، على الصيغة المقدمة لاتفاق الحديدة في استوكهولم كان بضغط مباشر من الرياض، على الرغم من الثغرات الكبيرة التي احتواها الاتفاق، بما في ذلك أنه لم ينص بصورة واضحة على إلزام الحوثيين بالانسحاب من الحديدة وتسليمها لأي طرف من الأطراف، بقدر ما جاءت بنوده قابلة للتفسير من قبل الطرفين. وسعت الرياض وأبو ظبي للتغطية على رضوخهما للضغوط التي أوقفت المعركة، بعد أن اقتربت من وسط مدينة الحديدة، عبر الحديث عن عدم التزام الحوثيين بتطبيق اتفاق استوكهولم. كما أن السلطات اليمنية الشرعية كانت قد تنازلت عن مطالبها بخطوات لـ"بناء الثقة" تسبق أي مفاوضات، وذهبت إلى السويد دون حتى أن يتم الإفراج عن معتقل.
لكن في مقابل تصاعد دور الأمم المتحدة، فإن جميع ملفات الحرب، بينها الأزمة السياسية، لا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات. كما أن تعثر تنفيذ الخطوات الخاصة بـ"إعادة الانتشار" في الحديدة تهدد بانهيار اتفاق الحديدة، خصوصاً إذا تغير الموقف الدولي وفقاً لحسابات ومصالح الدول. وفي السياق، تعكس المواقف التي صدرت عن الحوثيين، الذين هاجم المتحدث باسمهم محمد عبد السلام المبعوث الأممي، أو عن الحكومة التي صدرت عن مسؤولين فيها تصريحات ضد غريفيث أخيراً، هشاشة الحلول التي ترعاها الأمم المتحدة، والثغرات التي رافقت المسار السياسي خلال الشهور الماضية، على غرار عدم إيجاد حل نهائي لقضايا الخلاف الجوهرية في الحديدة.
اقــرأ أيضاً
وبدأ غريفيث أولى جولاته في المنطقة في مارس/آذار الماضي، بعد جمودٍ لف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة منذ اختتام مشاورات الكويت في أغسطس/آب 2016، والتي توقف المسار السياسي بعدها لفترة طويلة بلغت نحو العام. واستند غريفيث، الذي خلف الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في فبراير/شباط 2018، إلى خبرته الدبلوماسية وعلاقاته الدولية ودعم غير محدود من مجلس الأمن، والذي كان مواكباً للمبعوث الأممي، خصوصاً مع تصعيد الحديدة في يونيو/حزيران الماضي. وجاء غريفيث مُعززاً بالدعم القوي من مجلس الأمن ومن بلاده بريطانيا (حاملة القلم في الشأن اليمني في مجلس الأمن)، ومن الموقف الدولي الذي بات ينظر، في الغالب، إلى الحرب اليمنية ونتائجها الكارثية من منظور التأكيد على أهمية الوصول إلى حل سياسي، وأن السعودية والإمارات فشلتا في إلحاق هزيمة محورية بالحوثيين، بل إن تدخلهما في الحرب اليمنية فاقم من الأزمة الإنسانية في البلد.
وقد تدرج مسار تطور الموقف الدولي من تراجع بعض الدول عن الدعم المعلن للتدخل إلى إبداء تحفظات خجولة، ارتبطت إلى حد كبير بالحديدة وبالمجازر التي ذهب مدنيون ضحيتها، بما في ذلك استهداف التحالف حافلة تقل عشرات الأطفال في مدينة ضحيان في صعدة في أغسطس/آب، وهي المجزرة التي أشعلت موجة من ردود الفعل الدولية، بما فيها، إعلان البنتاغون أنه يجري مراجعة لدعمه للتحالف. كما استطاع غريفيث وفريق الأمم المتحدة، عبر جولات ولقاءات مُكثفة وانفتاح على جماعة "أنصار الله" (الحوثيين، عبر زياراته المتكررة إلى العاصمة صنعاء واجتماعه مع زعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عبد الملك الحوثي، إيجاد مخرج سياسي، وتأجيل التصعيد في الحديدة، والذي كان سيؤدي إلى إغلاق الميناء. في سبتمبر/أيلول الماضي، كان غريفيث قد تمكن من انتزاع موافقة الحكومة الشرعية والحوثيين على الحضور إلى جولة مفاوضات جنيف3، لكنها تحولت إلى نكسة إثر غياب وفد الحوثيين وتعثر انطلاق المحادثات.
لكن في مقابل تصاعد دور الأمم المتحدة، فإن جميع ملفات الحرب، بينها الأزمة السياسية، لا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات. كما أن تعثر تنفيذ الخطوات الخاصة بـ"إعادة الانتشار" في الحديدة تهدد بانهيار اتفاق الحديدة، خصوصاً إذا تغير الموقف الدولي وفقاً لحسابات ومصالح الدول. وفي السياق، تعكس المواقف التي صدرت عن الحوثيين، الذين هاجم المتحدث باسمهم محمد عبد السلام المبعوث الأممي، أو عن الحكومة التي صدرت عن مسؤولين فيها تصريحات ضد غريفيث أخيراً، هشاشة الحلول التي ترعاها الأمم المتحدة، والثغرات التي رافقت المسار السياسي خلال الشهور الماضية، على غرار عدم إيجاد حل نهائي لقضايا الخلاف الجوهرية في الحديدة.