07 نوفمبر 2024
تحولات القيم في عالم متغير
يُثَار في الآونة الأخيرة في المغرب صراع حول مجموعة من الظواهر الاجتماعية والثقافية، يتعلق الأمر بمشاهد وحوارات في فيلم سينمائي، ويتعلق بسهرة غنائية راقصة تَمَّ نقلها في قناة تلفزيونية. حصل تضخيم للواقعتين، فَتَمَّ النَّظر إلى بعض لقطات الفيلم باعتبار أنها تخترق سقف القيم السائدة في المجتمع، وبناء عليه، تقرَّر منع الفيلم من السلطة الوصية على القطاع. كما تَمَّ اعتبار أن السهرة الغنائية تضمَّنَت رقصات بإيحاءات تتجاوز عتبة الرقص المسموح به أخلاقياً! فأصبحنا أمام سِجالات غير معهودة في الفضاء الثقافي المغربي، ودخلنا دوائر الحلال والحرام والمباح والمحظور. بل إن متدخلين نصَّبُوا أنفسهم في صورة حرَّاس لمنظومة القيم وقواعد الفنون، وغاب النقاش الجدِّي الذي يمكن أن يشارك فيه، كما نتصوَّر، المهتمون بالسينما وفن الرقص، بحكم علاقتهم المباشرة بموضوعات الخلاف.
يتبيَّن من يهتم بالسِّجالات المتواصلة في هذه الموضوعات، وما ترتَّب عنها من تداعيات، أن موضوع الخلاف فيها يتجاوز التموقعات السياسية المحافظة التي عبَّرت عنها فئات معينة في المجتمع، وفي الأغلبية الحكومية، كما يتجاوز الخيارات الفنية والقِيمِيَّة التي تتبناها الفئات التي ترفض أن يكون للإبداع وللحرية سقف محدَّد. ومقابل ذلك، يلجأ أغلب الذين يخوضون في القضايا التي ذكرنا إلى الاستنجاد بالمواقف السَّهلة، سواء تعلق الأمر بتبرير الرفض والمنع، أو مساءلة القناة الناقلة للسَّهرة الفنية الراقصة، والبحث عن السبل التي تمكِّن من مُحَاسبتها.
يرتبط السِّجَال في المشهد السياسي المغربي بسياق التحولات السياسية التي جرت في المغرب بعد حَرَاك 2011، وصعود أغلبية سياسية جديدة، يقودها حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، حيث يمكن إدراج المناوشات المتعلقة باللغة والهُوِية والقيم، في إطار الصراع بين تيار سياسي محافظ وتيارات سياسية وثقافية أخرى، تنزع نُزُوعات متحرِّرة، وتُحاول الانفتاح على متغيرات الأزمنة المعاصرة ومكاسبها. كما يرتبط بمعارك يتم افتعالها، أو التقاطها في صورة مصغَّرة، والعمل على إبرازها، خصوصاً وأن مجتمعنا على أبواب انتخابات جديدة، حيث تعمل الأطراف المتخاصمة سياسياً على اكتساح مواقع في المجتمع، وصَدِّ الآخرين عنها، كما هو عليه الحال اليوم في المجتمع المغربي. وضمن هذا الإطار، يتم الرُّكُوب على قضايا عارضة، وتحويلها إلى قضايا مركزية.
يتناسى أغلب المنخرطين في السِّجالات المذكورة، سواء داخل وسائل الإعلام أو في مستوى التفاعلات الشبكية، يتناسون الخلفيات والمرجعيات وراء الظواهر موضوع الجَدَل، بحكم أن أبعادها الفعلية ترتبط بمسألة التحولات الجارية في مجال القيم في عالم جديد. صحيح أن عالم القيم، وإن كان يرتبط بظرفيات ووقائع محدَّدة، فإنه، قبل ذلك وبعده، يرتبط أيضاً بمجمل التحولات العامة التي يعرفها مجال القيم في مجتمعنا، في علاقاته المعقَّدة والمفتوحة مع كل ما يجري في العالم من أحداث وصُوَر، فالتحولات التكنولوجية المتسارعة، وما تَرَتَّب ويترتَّب عليها من توتُّرات ومعتقدات جديدة، تُدخِل القيم، بمختلف صورها، في أنظمة مختلطة، يصعُب الركون فيها إلى نماذج ومبادئ بعينها. فما أكثر المعارك المفتوحة اليوم نتيجة للثورات الحاصلة في تقنيات التواصل، والتي لم نَتَمَكَّن بعد من بلورة قوانينها، ولا بناء القواعد القيمية التي تنظم علاقتنا بها، حيث ما نزال نلجأ، عندما نصادفها، إلى الاحتكام إلى لغة الحلال والحرام وحكمةِ الأوَّلين، على الرغم من وعينا بمحدوديَّة هذه الحكمة وحدودها.
لم يعد بإمكاننا اليوم أن نتحدث عن نقاء القيم، ولا عن طهرانيتها وصفائها، كما لم يعد مقبولاً أن يعلن فرد أو جماعة وصايتهم على القيم داخل المجتمع، خصوصاً ونحن نعيش في حقبة تعرف كثيراً من صور تفكُّك الموروث من القيم واهتزازه، فقد حصل بفعل كل ما عرفه العالم من ثورات وانقلابات في المعرفة وفي التقنية، ما أدَّى، ويُؤدِّي، إلى تَحَوُّل في روح المبادئ التي كانت سائدة، ونفترض أن رياح التغيير العاتية تدعو العالم أجمع إلى إعادة النظر في منظومات القيم الموروثة، أو السائدة، والتفكير في بدائلها في ضوء ما يجري في العالم من تحوُّلات وأحداث.
تجعلنا موجات التعولم الصانعة لمجتمعات الصُّورة وقيم التواصل الشبكي نَنْتَمِي، شِئْنا أم أبَيْنَا، إلى عالمين متباعدين، إن لم يكن أكثر، عالمين يبني كل منا توازناً مفترضاً بينهما، عالم الصورة التي تركِّبُها العوالم الافتراضية، وعالم الواقع في جريانه، الأمر الذي يؤكد أن مبدأ إعلان الوصاية على القيم والتاريخ، لن يوقف الحركية القائمة في مجال تلوين القيم بمتطلبات التواصل مع عالم جديد، عالم يدعونا، بحركات وأصوات ومواقف، إلى ضرورة التفاعل مع مقتضياته، والمساهمة في بناء قيمه.
يرتبط السِّجَال في المشهد السياسي المغربي بسياق التحولات السياسية التي جرت في المغرب بعد حَرَاك 2011، وصعود أغلبية سياسية جديدة، يقودها حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، حيث يمكن إدراج المناوشات المتعلقة باللغة والهُوِية والقيم، في إطار الصراع بين تيار سياسي محافظ وتيارات سياسية وثقافية أخرى، تنزع نُزُوعات متحرِّرة، وتُحاول الانفتاح على متغيرات الأزمنة المعاصرة ومكاسبها. كما يرتبط بمعارك يتم افتعالها، أو التقاطها في صورة مصغَّرة، والعمل على إبرازها، خصوصاً وأن مجتمعنا على أبواب انتخابات جديدة، حيث تعمل الأطراف المتخاصمة سياسياً على اكتساح مواقع في المجتمع، وصَدِّ الآخرين عنها، كما هو عليه الحال اليوم في المجتمع المغربي. وضمن هذا الإطار، يتم الرُّكُوب على قضايا عارضة، وتحويلها إلى قضايا مركزية.
يتناسى أغلب المنخرطين في السِّجالات المذكورة، سواء داخل وسائل الإعلام أو في مستوى التفاعلات الشبكية، يتناسون الخلفيات والمرجعيات وراء الظواهر موضوع الجَدَل، بحكم أن أبعادها الفعلية ترتبط بمسألة التحولات الجارية في مجال القيم في عالم جديد. صحيح أن عالم القيم، وإن كان يرتبط بظرفيات ووقائع محدَّدة، فإنه، قبل ذلك وبعده، يرتبط أيضاً بمجمل التحولات العامة التي يعرفها مجال القيم في مجتمعنا، في علاقاته المعقَّدة والمفتوحة مع كل ما يجري في العالم من أحداث وصُوَر، فالتحولات التكنولوجية المتسارعة، وما تَرَتَّب ويترتَّب عليها من توتُّرات ومعتقدات جديدة، تُدخِل القيم، بمختلف صورها، في أنظمة مختلطة، يصعُب الركون فيها إلى نماذج ومبادئ بعينها. فما أكثر المعارك المفتوحة اليوم نتيجة للثورات الحاصلة في تقنيات التواصل، والتي لم نَتَمَكَّن بعد من بلورة قوانينها، ولا بناء القواعد القيمية التي تنظم علاقتنا بها، حيث ما نزال نلجأ، عندما نصادفها، إلى الاحتكام إلى لغة الحلال والحرام وحكمةِ الأوَّلين، على الرغم من وعينا بمحدوديَّة هذه الحكمة وحدودها.
لم يعد بإمكاننا اليوم أن نتحدث عن نقاء القيم، ولا عن طهرانيتها وصفائها، كما لم يعد مقبولاً أن يعلن فرد أو جماعة وصايتهم على القيم داخل المجتمع، خصوصاً ونحن نعيش في حقبة تعرف كثيراً من صور تفكُّك الموروث من القيم واهتزازه، فقد حصل بفعل كل ما عرفه العالم من ثورات وانقلابات في المعرفة وفي التقنية، ما أدَّى، ويُؤدِّي، إلى تَحَوُّل في روح المبادئ التي كانت سائدة، ونفترض أن رياح التغيير العاتية تدعو العالم أجمع إلى إعادة النظر في منظومات القيم الموروثة، أو السائدة، والتفكير في بدائلها في ضوء ما يجري في العالم من تحوُّلات وأحداث.
تجعلنا موجات التعولم الصانعة لمجتمعات الصُّورة وقيم التواصل الشبكي نَنْتَمِي، شِئْنا أم أبَيْنَا، إلى عالمين متباعدين، إن لم يكن أكثر، عالمين يبني كل منا توازناً مفترضاً بينهما، عالم الصورة التي تركِّبُها العوالم الافتراضية، وعالم الواقع في جريانه، الأمر الذي يؤكد أن مبدأ إعلان الوصاية على القيم والتاريخ، لن يوقف الحركية القائمة في مجال تلوين القيم بمتطلبات التواصل مع عالم جديد، عالم يدعونا، بحركات وأصوات ومواقف، إلى ضرورة التفاعل مع مقتضياته، والمساهمة في بناء قيمه.