"سأخرج من التحقيق بقامة منتصبة وأنا مرفوع الهامة". بهذه الكلمات تحدث النائب عن حزب التجمع الوطني الفلسطيني، باسل غطاس، قبل أن يدخل أمس للتحقيق معه في مركز تحقيقات وحدة لاهف في الشرطة الإسرائيلية، بعد أن ادعت أجهزة الاستخبارات التابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية الأحد الماضي، أنها تشتبه في أنه أدخل أجهزة هواتف خليوية لأسرى فلسطينيين خلال زيارته لهم، الأحد، من دون أن تقدم إثباتات على ادعاءاتها. وأطلقت، في هذا الوقت، حملة تحريض عنصرية ودموية ضد غطاس وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، قادها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعدد من وزراء حكومته، وشاركت فيها غالبية الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الكنيست.
ووصل التحريض ضد غطاس حد قيام رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، آفي ديختر، الذي شغل في السابق منصب رئيس جهاز الشاباك، للدعوة إلى منع غطاس من مجرد دخول مبنى الكنيست، بحجة أنه قد يدخل أسلحة معه وينفذ عملية داخل الكنيست. وظهرت هذه الاتهامات والادعاءات الإسرائيلية بعد ظهر الأحد، في الوقت الذي أعلن فيه التجمع الوطني الديمقراطي أن السلطات الإسرائيلية تواصل حملة الملاحقة السياسية ضد قيادته وأعضائه ومناصريه، وكان آخرها التحقيق مع عضو المكتب السياسي للحزب، نيفين أبو رحمون، الخميس الماضي.
ورفض غطاس حتى أمس الخوض في ادعاءات مصلحة السجون والشرطة الإسرائيلية، مكتفياً بالقول إن "الجبل سيتمخض ليلد فأراً صغيرا"، فيما ادعت الشرطة الإسرائيلية أن التحقيق مع غطاس كان عبارة عن تحذير، وأن الشرطة تشتبه في قيامه بنقل الهواتف الخليوية، والسعي إلى الشروع في تنفيذ جريمة، وخيانة الأمانة، وغيرها من الاتهامات، التي تؤكد سعي سلطات الاحتلال إلى ضرب حزب التجمع الوطني، بفعل مواقفه السياسية والوطنية، خصوصاً إصرار الحزب وممثليه في الكنيست على التواصل مع أسرى الحرية الفلسطينيين، وتنظيم التظاهرات الشعبية والوقفات الاحتجاجية تضامناً مع الأسرى المضربين عن الطعام.
وبعد خروجه من التحقيق، شارك غطاس في وقفة احتجاجية أمام مركز الشرطة الإسرائيلية ووحدة التحقيقيات "لاهف"، تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين. ونشر الحزب، على موقعه على الإنترنت، صوراً له وهو يحمل لافتات كتب عليها "أسرانا الأبطال أقوى من عتمة الزنازين". واستغلت حكومة الاحتلال التحقيق مع غطاس، ليطالب وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، من الكنيست تعديل قانون حصانة النواب، ما يحول دون تمكينهم من زيارة أسرى الحرية الفلسطينيين. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد شددت، هذا العام خصوصاً، من خطوات ملاحقة التجمع الوطني الديمقراطي، بعد أن كان قد سبق لها في العام الماضي أن اتهمت الحزب، ومؤسسه المفكر العربي عزمي بشارة، إلى جانب الحركة الإسلامية الشمالية، بالتحريض وتشجيع الهبّة الفلسطينية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، على أثر محاولات الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وتكريس تقاسم زماني على المكان. إلى ذلك تعرض الحزب إلى ملاحقة خصوصاً بعد قيام نوابه في الكنيست، باسل غطاس وحنين زعبي وجمال زحالقة، بلقاء أهالي الشهداء من القدس المحتلة، في فبراير/شباط الماضي، لبحث سبل الضغط على حكومة الاحتلال لتسليم جثامين الشهداء إلى ذويهم. وعلى أثر ذلك أبعد الكنيست غطاس وزعبي عن مداولاته لمدة أربعة أشهر، وزحالقة لمدة شهرين.
ويرى التجمع الوطني، بحسب بيان لأمينه العام، أمطانس شحادة، أن الحملة ضد غطاس وما سبقها من حملة اعتقالات واسعة قبل ثلاثة أشهر بحجج تتعلق بإدارة مالية غير سليمة للانتخابات، عبارة عن حلقات متواصلة للمؤسسة الإسرائيلية لشيطنة التجمع الوطني ونزع الشرعية عنه وعن نوابه، وضربه كلياً، مع ممارسة الترهيب ضد الفلسطينيين في الداخل وترسيم حدود العمل السياسي المسموح به. وأضاف شحادة إن "التجمع الوطني الديموقراطي يستنكر الهجمة الممنهجة التي تشنّها المؤسسة الإسرائيلية ضد النائب، باسل غطّاس، ويرى أن هذه الهجمة فصل آخر ضمن حملات التحريض والكراهية التي تنتهجها إسرائيل ضد المواطنين العرب والأحزاب والقيادات السياسية، والتي لا يمكن قراءتها بمعزل عن التغييرات السياسية والاستراتيجية الحقيقية الحاصلة في إسرائيل. وأنوه بأن هذه الحملة الإعلامية المشوِّهة قبل أي تحقيق أو حتّى دعوة إلى التحقيق، أو أي تصريح رسمي للشرطة حول الموضوع، ما هي إلا محاكمة ميدانية بحتة، يقودها نتنياهو و(أفيغدور) ليبرمان واردان وغيرهم، ويستغلونها للتحريض الموجّه، وهي لا تنفصل عن محاولات الاستهداف المسعور للمواطنين العرب عموماً، والعمل السياسي خصوصاً". وتابع: "الاهتمام بقضايا الأسرى وزيارتهم والتواصل معهم وجعلهم أولوية في النضال السياسي لشعبنا لم يكن ولن يكون تهمة، بل واجباً على كافة أعضاء الكنيست العرب". وتعرض قادة حزب التجمع الوطني في الداخل الفلسطيني، منذ تأسيسه قبل 20 عاما، لحملات تحريض وملاحقات مستمرة، وسعت الأحزاب المختلفة إلى منع خوضه الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة. وشنت السلطات أشرس حملاتها ضد قائد الحزب، المفكر العربي عزمي بشارة، مما اضطره إلى الخروج إلى المنفى القسري في عام 2007. كما اعتقلت عدداً من أعضاء الحزب لفترات مختلفة بتهم أمنية مختلفة. وتعرضت زعبي أيضاً لحملات تحريض دموية، وصلت إلى محاولة الاعتداء عليها جسدياً في عام 2010 بعد مشاركتها في أسطول الحرية على متن السفينة التركية مرمرة.