تحفة الساحرة العصفورة

04 مارس 2017
بهرام دبيري/ إيران
+ الخط -

لا يحتاج أي مشاهد تلفزيوني إلى البحث عن صورٍ تلخص حال الفضائيات والأرضيات العربية، فالصورة جاءت إليه تسعى أو تطير، ومن فضائية عربية شهيرة، وكانت التحفة تلك الساحرة الأفريقية التي وجدتها جماعة من الباحثين عن السحرة عارية تماماً، وحين حاولت الجماعة الإمساك بها تحولت إلى عصفور، وطار العصفور واختفى.

أما في الفصل الثاني من الرواية، فقد جاءهم رجل من أقصى الغابة يسعى ويصرخ طالباً النجدة، وتبينت الجماعة أن الساحرة/العصفور اخترقت السقوف، وعادت بعد طيرانها وحطت في كوخ الرجل المرتعب، وجلست بين أطفاله.

ويواصل من اخترع هذه الملحمة سرده، ويصل بنا إلى الفصل الثالث والأخير حيث ينتصر أبطال الحكاية على الساحرة الشريرة بالانقضاض عليها مكبرين ومهللين، ويقال وهم يرفعون الأذان (ولا أدري لماذا ما دامت الجماعة ليست بصدد الصلاة) ويقال وهم يقرأون سورة من القرآن (وأيضا لا أدري لماذا ما دامت الساحرة لا تعرف العربية بالتأكيد).

رويت هذه الملحمة التي هي مزيج من خرافات شائعة في أفريقيا عن سحرة يتحولون إلى ماعز أو أبقار، ومن تخيلات مهووسين بقصص ألف ليلة وليلة، وانتقلت إلى الفضائية، ومنها إلى بعض الصحف، ومن ثم إلى أسلاك الهواتف، ولتشغل مواقع التواصل الاجتماعي.

ويبدو أن صاحبها الأصلي لم يكتف بسرد هذه الخوارق، فأضاف إليها "توثيقاً"، فنقل عن بعضهم تذييلا "يؤكد" بالدليل النقلي، لا العقلي بالطبع، فالعقل لم يحطّ بين ظهرانينا بعد منذ أن طار قبل قرون وقرون؛ أن هناك "فقهاء" تحدثوا عن الساحرات اللواتي يمتطين المكانس.

لو كان لهذا المولع بالتوثيق اطلاع على خرافات "ابن مجاور" في كتابه " تاريخ المستبصر" لأضاف: "وهناك من يمتطين الجرار"، وهناك "في الطريق إلى "أبين" اليمانية جميع أهل تلك الأعمال سحرة، يصيّرون الإنسان حماراً أو ثوراً وكيف ما أرادوا واشتهوا".... إلخ.

هذه صورة جامعة مانعة كما يقولون لحالة "عقلية" بائسة، ثقافة النقل المعادية لثقافة العقل، يراد لها أن تُستعاد في أوائل القرن الحادي والعشرين، وأن يروجها دعاة تحولوا إلى فضائيين بعد أن رسخوا أقدامهم في الأرض، كأن العربي المبتلى بسحرة ومشعوذي السياسة والمال والفضائيات لم يعد ينقصه إلا مشاهدة الأفريقيات اللواتي يتحولن إلى عصافير (ولا أدري لماذا لم يحولوهن إلى عصفورات) حتى يزداد إيماناً بعقائده الدينية، ويحسن إسلامه، ويخشى ربه.

أعتقد إن تخيلات بهذه الكمية من السخف تشوّه، مثلما تشوه الفضائيات، الدين وكل دين، وتجعلنا أضحوكة بين الأمم أكثر مما تخيّل "المتنبي" في الأزمنة القديمة، وأكثر مما يصنع مشعوذو الإعلام في الأزمنة الحديثة.

المساهمون