وبرطم، من مواليد شمال السودان عام 1965، حاصل على ماجستير في الفيزياء. لم يكن حتى عام 2015 معروفاً، لا في الأوساط السياسية ولا في وسط رجال الأعمال، بحكم أن أغلب استثماراته في بلدان أفريقية. غير أنّه أثار ضجّة كبيرة من خلال الانتخابات الأخيرة، بعدما أطاح بأحد رموز الحزب الحاكم، وكذلك من خلال إدارته لحملته الانتخابية بطريقة غير مألوفة، وهو ما استقطب قيادات شعبية وصحافيين وسياسيين بارزين.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، يقول برطم إنه لم يعلن بعد بصورة رسمية ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، بل إنّ عدداً من أحزاب الحوار الوطني ونوابا في البرلمان هم من تبنوا ترشيحه، مؤكداً أنّ قناعته الشخصية تتمثل في أنّ "الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة الناجعة لتغيير النظام الحاكم، بكل سهولة". ويضيف أنّ "نزاهة الانتخابات التي تتخوف بشأنها القوى المعارضة، يجب أن تنتزع انتزاعاً"، مستشهداً بفوزه بدائرة دنقلا، وهي التي كانت، كما قال، حكراً على الإسلاميين منذ عام 1986، وأنه اقتلعها من منافسه الذي يعد الرجل الثالث في الحزب الحاكم. ويؤكّد برطم أنّ مناصريه "وقفوا سداً منيعاً أمام أي حالات تزوير"، مطالباً الشعب السوداني "بالخروج من حالة اليأس والخوف من التغيير، وخوض الانتخابات والعمل على الفوز بها".
ويقول برطم إنّ "هناك 20 مليون ناخب سوداني، ليس لدى المؤتمر الوطني أنصار وسطهم، سوى 3 ملايين فقط، في حين أنه أمام أي منافس إمكانية الاستقطاب من الـ 17 مليون المتبقين"، مؤكداً أنّ "هناك إمكانية لوجود فرصة لاستبدال البشير بالاستعداد لمنافسته بكل قوة وشراسة". ويشير إلى أنه حال اكتمال ترشيحه، فإنه يمتلك برنامجاً شاملاً لا يقوم على شخص واحد، وذلك بهدف إخراج البلاد من أزماتها الحالية، الاقتصادية والسياسية.
أمّا المرشح الثاني المحتمل لمنافسة البشير، فهو عادل عبد العاطي، وهو أول من أعلن عن نفسه مرشحاً لانتخابات الرئاسة. ينشط عبد العاطي المولود في مدينة عطبرة شمال السودان، في مجال الكتابة الصحافية، خصوصاً في المواقع الإلكترونية. درس الصحافة والعلوم السياسية في جامعة وارسو، حيث أقام لسنوات طويلة. كما حصل على دبلوم عال في الصحافة. تقلّب في حياته السياسية ما بين الحزب الشيوعي وقوات التحالف السودانية، قبل أن يؤسس مع آخرين "الحزب الليبرالي السوداني" في عام 2003، والذي توحَّد مع تنظيمات أخرى ليشكلوا "الحزب الديمقراطي الليبرالي"، الذي رأسه حتى عام 2016.
ويقول عبد العاطي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن خطوات ترشيحه تمضي ببطء، ولكن إلى الأمام وبشكل مرْضٍ نسبياً، حسب خطتهم الاستراتيجية في الحزب. بيد أنه يستدرك بالقول "نعلم أنّ الأيام حبلى بالأحداث. وحتى عام 2020، هناك الكثير من التطورات الممكنة، والتي نضعها في احتمالاتنا ونحاول أن نعدّ لها السيناريوهات المناسبة"، موضحاً أنهم حالياً غير قادرين على منافسة "المؤتمر الوطني" ومرشّحه أياً كان هذا المرشح. ويشير عبد العاطي إلى أنهم يكسبون كل يوم مواقع جديدة، بينما يخسر الحزب الحاكم مواقعاً وجماهيراً، متوقعاً أن تصل المنافسة لمرحلة التوازن الاستراتيجي بنهاية عام 2019، والتفوّق الشعبي على الحزب الحاكم في مطلع عام 2020.
وفيما يخصّ النزاهة في الانتخابات المقبلة، لم يتوقّع عبد العاطي أن تكون هناك ممارسة نزيهة من طرف "المؤتمر الوطني" وسلطته، قائلاً "ستزداد محاولات الانتهاك لقواعد اللعبة كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، وستزيد معها ممارسة العنف اللفظي والبدني تجاهنا عبر استخدام مؤسسات الدولة ضدنا"، متعهداً بـ"فرض شروط اللعبة وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي تجاه أي ممارسات فاسدة وأي محاولة لتزوير الإرادة الشعبية وسرقة أي صوت انتخابي مكتسب"، على حدّ تعبيره.
ولا يبدو أنّ برطم وعبد العاطي سيكونان الوحيدين اللذين سينافسان البشير، فحتى على صعيد المعارضة المسلحة والمعارضة المدنية، هناك مؤشرات تدل على دخول قادة منها المعترك الانتخابي. ففي فترة سابقة، حثّت "الحركة الشعبية"، وهي تنظيم مسلّح يقوده حاكم النيل الأزرق الأسبق، مالك عقار، أحزاب المعارضة على الاتفاق على خطة عمل لخوض الانتخابات في 2020، والوصول إلى السلطة سلمياً، مطالبةً بضرورة التوافق على أجندة سياسية مشتركة وواضحة. ودعت الحركة في رسالة بعثت بها للأحزاب السودانية المعارضة، إلى خوض معركة جماهيرية واسعة للمطالبة بانتخابات حرّة ونزيهة في مناخ ديمقراطي، مسبوقة بوقف الحرب وتحقيق السلام وتأمين الحريات.
واستشفّ كثيرون من تلك الرسالة رغبة الحركة في المنافسة حتى على منصب رئيس الجمهورية، وتكرار تجربتها في انتخابات 2010، عندما نافس مرشحها، ياسر عرمان، بقوة على المنصب، لكن رياح طموحاته جاءت بعكس ما اشتهته السفن، حينما بادرت الحركة الشعبية بنفسها إلى سحب عرمان من السباق الانتخابي في اللحظات الأخيرة، رغبة منها في المضي قدماً في إنجاز فصل جنوب السودان. وبدأت التكهنات هذه الأيام تشير إلى إمكانية ترشّح عقار نفسه للمنصب، أو ياسر عرمان مرة أخرى.
كذلك، ووسط الأحزاب المدنية، أبدى حزب "المؤتمر السوداني" المعارض، رغبة علنية في خوض الانتخابات في مستوياتها كافة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية. ودعا رئيس الحزب، عمر الدقير في أحد تصريحاته، إلى تحويل العملية الانتخابية لمعركة سلمية مع النظام، بالاتفاق على مرشّح رئاسي واحد، والتنسيق في الدوائر الانتخابية.
ورغم الاشتراطات التي وضعها "حزب المؤتمر السوداني" للانتخابات، والمتمثّلة في وقف الحرب وكفالة الحريات وإعادة تكوين مفوضية الانتخابات وصياغة قانون انتخابات جديد ومراجعة السجل الانتخابي، للوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة ومراقبتها محلياً ودولياً من قبل مراقبين ذوي مصداقية، إلا أنّ الرجل الأكثر تأثيراً في الحزب، إبراهيم الشيخ، قال قبل يومين، إن توفّر أدنى حدّ من معايير الانتخابات سيدفعهم لخوضها.
ويُعدّ الشيخ، رغم تنحيه عن رئاسة الحزب، أحد أبرز الأسماء التي تردّدت، ليكون مرشّح "المؤتمر السوداني" لمنصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. ويطمح الحزب أن يكون الشيخ مرشحاً باسم كل قوى المعارضة، رغم أنّ واحداً من أكبر تحالفات المعارضة، وهو "تحالف قوى الإجماع الوطني"، أعلن مبكراً نيته مقاطعة الانتخابات.
وخلال ترشّحه في أربع جولات انتخابية سابقة، وجد البشير الطريق سالكاً أمامه للفوز بسهولة بالمقعد الرئاسي، خصوصاً في عام 1996، عندما قاطعت الأحزاب العملية الانتخابية. وكان أبرز منافسي الرئيس الحالي وقتها، السباح العالمي سلطان كيجاب. أمّا في انتخابات 2001، فقد وجد منافسة محدودة مع الرئيس الأسبق جعفر نميري، الذي حكم البلاد في الفترة الممتدة بين عامي 1969-1985، وأطيح به عبر ثورة شعبية.
وفي انتخابات 2010، ترشّحت معظم قيادات الأحزاب السياسية الكبيرة لرئاسة الجمهورية، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني، محمد إبراهيم نقد، ورئيس حزب "الإصلاح والتجديد"، مبارك الفاضل، والقيادي في "الحزب الاتحادي الديمقراطي"، حاتم السر، والأمين العام السابق لـ"الحركة الشعبية"، ياسر عرمان، إلا أنّهم جميعاً فضلوا الانسحاب، تشكيكاً في نزاهة العملية الانتخابية، باستثناء حاتم السر الذي بقي في المنافسة.
وأخيراً، في انتخابات 2015، قاطعت الأحزاب السودانية هذا الاستحقاق، ونافس البشير فيه، فضل السيد شعيب، وهو رئيس "حزب الحقيقة الفيدرالي"، والذي حلّ في المركز الثاني، لتأتي خلفه فاطمة عبد المحمود، والتي كانت أوّل سودانية تترشّح لرئاسة الجمهورية.
وفي انتخابات 2020 المرتقبة، بدا الحزب الحاكم مرحباً تماماً بكل من يرغب في خوض الانتخابات. وقال الأمين السياسي للحزب، عمر باسان، في تصريح صحافي، إنّ "كل من يأنس في نفسه الكفاءة للترشّح ولديه برنامج سياسي يجد القبول من جماهير السودان كافة، عليه أن يتقدّم إلى الأمام"، مشيراً إلى أنه "كلّما برزت شخصيات معروفة للرأي العام، كانت عملية السباق الانتخابي ذات قبول ومصداقية أكبر للرأي العام المحلي والدولي".
وحول اشتراط عدد من الأحزاب اتخاذ جملة خطوات لضمان نزاهة الانتخابات، قال باسان إن تلك الاشتراطات "يمكن النظر فيها والوصول إلى أرضية مشتركة وتوافق سياسي يحقّق الغاية من قيام الانتخابات، باعتبارها الوسيلة الأنسب للتداول السلمي للسلطة".
وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدّث الرسمي باسم "الحزب الاتحادي الديمقراطي"، محمد سيد أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الانتخابات رؤية كاملة ومتكاملة ولا تقدر على خوضها إلا أحزاب راسخة في وجدان الشعب السوداني، وبالتالي هي استحقاقات متصلة ومتواصلة وليست خبط عشواء. هي مجموعة حزم لا بدّ من توافرها بدءاً بتعديل قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر وتكوين لجان الانتخابات وغيرها، وتحقيق مطالب القوى السياسية في ما يخصّ الحريات بكل أشكالها، وإيقاف الحرب، ومحاربة الفساد وتطبيق قانون العزل السياسي، وإلا فإنّ النتيجة معلومة". وتوقّع سيد أحمد تواصل تعدد المرشحين في الفترة الحالية، ثمّ حصول التنسيق بينهم مستقبلاً.
من جانبه، رأى مدير صحيفة "الصحافة"، محمد جامعة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الانتخابات المقبلة "ستكون انتخابات شاقة وصعبة عكس ما يتوقّع البعض". وحول مطالب بعض الأحزاب بالنزاهة والحيادية، أكّد جمعة أن "كل ذلك متوفّر بدرجة كبيرة"، مشيراً إلى أنّ "أحزاب المعارضة غير جادة في اشتراطاتها، ويمكن أن تهرب من المعركة الانتخابية في أي لحظة".