بدأت السلطات التونسية رفع نسق استعداداتها، تحسباً لتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية على حدودها الجنوبية مع ليبيا في حال حدوث أي تدخّل عسكري أجنبي في أراضي جارتها، وهو الأمر الذي تتزايد المؤشرات على قربه. في مقابل ذلك، كانت الأنظار، طوال يوم أمس الأحد، متجهة إلى مدينة الصخيرات المغربية، حيث يجتمع أعضاء المجلس الرئاسي الليبي، لمعرفة ما إذا كان سيتمكن من حسم التشكيلة الحكومية بعد سقوط التشكيلة الأولى التي قدّمها فائز السراج إلى برلمان طبرق، بينما شهدت مدينة درنة، شرق ليبيا، قصفاً جوياً مجهول المصدر، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل.
إزاء هذه الأوضاع المتأزمة ليبياً، بدأت تونس تتحضّر تحسباً لمسألتين خطيرتين أساساً، أمنها واستقرارها السياسي، ووضعها الاقتصادي الهش، وتتهيأ لموجات من الهجرة إلى أراضيها، كما حدث في عام 2011 إبان اندلاع الثورة في ليبيا. غير أن المخاوف الكبرى في تونس تتمثّل في إمكانية توسّع المواجهات مع "داعش" لتقترب من الأراضي التونسية الجنوبية، أو تسلل هذه العناصر الإرهابية واستغلال حالة الفوضى التي يمكن أن تحدث في المواقع القريبة من الحدود التونسية.
ومع إعلان السلطات التونسية انتهاء العمل بالساتر الترابي على حدودها مع ليبيا، ظهر تقرير عن مناورات عسكرية قريبة ستجريها مع الجزائر لمواجهة خطر تنظيم "داعش"، الأمر الذي نفاه المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية، بلحسن الوسلاتي. وقال الوسلاتي، لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الدفاع لا ترد على هذه الشائعات وغيرها، خصوصاً التي ترد عن مصادر غير معروفة، نافياً بشكل مطلق هذه الأخبار. كما نفت مصادر جزائرية هذا الخبر، واصفة إياه بغير الدقيق.
وأكد خبير عسكري تونسي، رفض الإفصاح عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن ما تروّجه بعض الجهات الغامضة من أخبار يشكل أحياناً بالونات اختبار للحكومة التونسية أو لغيرها، لقياس مدى استعدادها لذلك، مثلما حصل مع ترويج أخبار عن قواعد عسكرية في تونس، اتضح فيما بعد أنها مجرد إشاعات. وأضاف الخبير العسكري أن الأخبار التي ذكرتها بعض المواقع بخصوص تقديم تونس دعماً لوجستياً للقوات التي تنوي التدخّل في ليبيا، لا صحة لها، لتمسّك تونس أولاً بسيادتها الوطنية كاملة، وثانياً لرفضها أصلاً فكرة التدخّل العسكري في ليبيا.
وأكد أكثر من مسؤول تونسي رفض التدخّل العسكري في الأزمة الليبية، وأبرزهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ووزير خارجيته خميس الجهيناوي، ووزير الدفاع فرحات الحرشاني، مشددين على الدول التي تنوي توجيه ضربات في ليبيا بضرورة التنسيق المسبق مع تونس. وأعاد الحرشاني، أمس الأول، التأكيد، من الحدود مع ليبيا، على الخطر الموجود على تونس، بحكم انتشار السلاح بين مختلف الفرقاء الليبيين والمليشيات المسلحة، خصوصا من "داعش" غير البعيد عن تونس، على الرغم من عدم وجود تهديد مباشر في الوقت الحالي، ولكن سرعة انتشار التنظيم يمكن أن تُشكّل تهديداً لتونس.
اقرأ أيضاً: مؤشرات التدخّل العسكري في ليبيا: "كثير من التفكير والتخطيط"
الحرشاني، وخلال زيارة ميدانية إلى المنطقة العسكرية العازلة في الجنوب التونسي على الحدود التونسية الليبية، حيث أقامت تونس ساتراً ترابياً عازلاً، أكد أن الجيش التونسي جاهز لصد كل الأخطار وحماية حدود البلاد. وجدد التأكيد أن تونس لا تؤيد التدخّل العسكري في ليبيا، ولكنها في المقابل تؤيد الشرعية الدولية، وأن أي قرار بالتدخّل في ليبيا ينبغي أن يكون تحت راية الأمم المتحدة ونابعاً من الحكومة الليبية نفسها. وشدد على أنه "مهما كانت هذه الأخطار ومهما بلغ التعاون مع الدول الأخرى، فإن تونس لن تستعمل السلاح أو تقوم بأي أعمال حربية ضد ليبيا"، لأنها دولة تؤمن بأن فض النزاعات لا يتم بغير الطريقة السلمية، ولكن تونس ينبغي أن تحمي حدودها من الإرهاب والتهريب.
وكانت السلطات التونسية قد أعلنت، السبت، عن انتهاء العمل بإقامة الساتر الترابي على مسافة 250 كيلومتراً على حدودها مع ليبيا، وتركيز قوات من الجيش في عدد من النقاط، على أن تتمثّل المرحلة اللاحقة في تركيز منظومة إلكترونية على هذا الساتر. وذكّر الحرشاني، في هذا السياق، بأن عسكريين وفنيين أميركيين وألمانا، سيزورون تونس لنصب هذه المنظومة.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن هذه المنظومة ستكون في شكل هبة من الحكومتين الأميركية والألمانية، غير أن نصبها سيتطلّب أشهراً لإنجازه، حيث لا ينسق الجيش التونسي إلا مع الحكومات التي تتعامل عادة مع شركات متخصصة في هذه الأنظمة الدفاعية من رادارات وكاميرات مراقبة وغيرها، وهو ما يستوجب أولاً دراسة الموقع لتحديد النقاط التي سيتم تركيز الأنظمة فيها بشكل دقيق. وجاءت إشارة الحرشاني في شكل رسالة إلى الحكومتين الأميركية والألمانية، بأن تونس استكملت مهمتها بعد الانتهاء من الأعمال في الساتر الترابي، وتنتظر منهما القيام بتعهداتهما في أقرب الآجال بحكم تفاقم الأخطار.
وفي الأثناء تنتظر تونس أن تتسلم الطائرات التي كانت اشترتها من الحكومة الأميركية منذ العام ما قبل الماضي، وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن موعد التسليم سيكون في عام 2017 وليس في هذا العام كما رُوّج، وأن تونس لن تتمكن من استعمالها حتى لو تسلمتها الآن، لأن عملية التدريب على استعمالها تتطلب سنتين على الأقل.
وكانت وكالة التعاون الأمني الدفاعي (وهي وكالة حكومية أميركية تدير مبيعات الأسلحة) قالت، في بيان لها قبل نحو سنتين، إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تخطط لبيع 12 طائرة مروحية بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 700 مليون دولار. ووفقاً للوكالة، فإن تلك الطائرات سيجري تجهيزها بصواريخ "هلفاير" وتكنولوجيا عسكرية متطورة أخرى.
وكان المنتدى العربي للدفاع والتسليح قال إن هذه الطائرات ستكون مجهزة بـ24 مدفعاً رشاشاً و24 قاذفة صواريخ "هيدرا". بالإضافة إلى ذلك، ينبغي إعداد المروحيات متعددة الأغراض لتركيب أنظمة صاروخية تتوجه بالليزر، فضلاً عن تجهيزها بنظام الرؤية الليلية مع استخدام النظارات ذات الصلة. وأضاف موقع المنتدى، أن مروحيات "بلاك هوك" ستكون مجهزة أيضاً بأنظمة الأشعة تحت الحمراء، ومعدات رادار للإنذار من الرادارات الإشعاعية والصواريخ.
اقرأ أيضاً: الجزائر تتحوّط للتدخّل في ليبيا: إجراءات استباقية على الحدود