دخلت معارك المحور الشمالي في العراق مرحلة جديدة، بعد اقتحام القوات العراقية مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي وبغطاء واسع من الطيران الأميركي، مدينة الشرقاط، ثاني أكبر مدن محافظة نينوى بعد الموصل، الواقعة على بعد نحو 90 كيلومتراً منها، خلال وقت قياسي لم يتجاوز 72 ساعة. بالتالي تمّ عزل محافظة نينوى عن جارتها صلاح الدين بشكل شبه كامل، ما سيؤثر على إمدادات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بين شمال العراق ووسطه بشكل كبير.
في هذا السياق، أعلنت قيادة العمليات المشتركة في بغداد، أمس الخميس، عن تحرير مدينة الشرقاط بالكامل، من سيطرة "داعش". وذكرت القيادة أن "انتصاراً عراقياً جديداً يتحقق في الشرقاط على يد قوات الجيش والحشد الشعبي وطيران التحالف الدولي"، مضيفة في بيان، أنه "خلال 72 ساعة خاضت قواتكم المسلحة البطلة معركة نوعية خاطفة، تكللت بتحرير قضاء الشرقاط بالكامل ورفع العلم العراقي على المقرات الحكومية، وسط تهليل واستبشار الأهالي وتأييدهم، بعد هزيمة عصابات داعش الإرهابية وتكبيدها خسائر فادحة". وشدّدت على أن "الأبطال يتطلعون إلى المعركة الحاسمة في الموصل".
مع العلم أن مصادر عسكرية كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "المعارك تحوّلت إلى حرب شوارع داخل أحياء المدينة، تحديداً في الجانب الأيسر من نهر دجلة (الشرقاط القديمة)، وسط معلومات متضاربة عن مصير العوائل المحاصرين داخل المدينة". وأضافت المصادر من مشارف مدينة الشرقاط، أن "المعارك ما تزال مستمرة وتحوّلت إلى حرب عصابات في أزقة المدينة القديمة وطرقها، فضلاً عن بساتينها الغربية".
من جهته، ذكر ضابط عراقي في الجيش أن "المدينة تحررت بشكل عملي ولم يتبقَّ سوى جيوب للتنظيم، ومعظم عناصره مقاتلون من العرب والأجانب". وأكد أن "معظم عناصر التنظيم انسحبوا من المدينة، إذ كانت الساعات الأخيرة لهم في المدينة خاسرة، بفعل الطيران الدولي الذي نفذ عشرات الضربات الجوية ضد تجمّعاتهم ومناطق تواجدهم". وأعرب عن اعتقاده أن "الحسم النهائي وساعة انتهاء أصوات إطلاق النار ستكون، ظهر اليوم الجمعة، على أبعد تقدير".
في المقابل، تستمر عمليات الجيش في المحور الغربي من العراق، تحديداً أعالي الفرات، حيث أعلنت وزارة الدفاع عن تحرير أربع مناطق جديدة في المنطقة بعد معارك وصفها بالسريعة مع "داعش". في هذا الإطار، قال قائد عمليات الأنبار، اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات المشتركة ومقاتلي العشائر تمكنوا من السيطرة على أربع مناطق غرب الأنبار". وأضاف أن "قوات الجيش وأبناء العشائر تمكنت من تحرير الجواعنة وجبة والمسيرة والمعميرة في جزيرة البغدادي، غرب الأنبار على نهر الفرات". وأردف الضابط أن "تحرير تلك القرى تم بعد قتل عشرات الإرهابيين وتدمير عدد من العجلات المفخخة، وتفكيك المئات من الألغام والعبوات الناسفة في تلك القرى المحررة بدعم التحالف الدولي".
من جانبه، ذكر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، محمد الجاف، لـ"العربي الجديد"، أن "التقدم الذي تحقق يعتبر استثنائياً والأكبر من نوعه منذ أشهر طويلة". وأردف أن "مفتاح السر في الانتصارات كان التحالف الدولي، وهذا دليل على أن بإمكانهم تصفية الوضع بالبلاد في وقت قياسي، ولكن هناك مشاكل سياسية تعيق ذلك". وأعرب الجاف عن اعتقاده أن "زيارة العبادي فتحت كثيراً من الأبواب المغلقة، ودفعت بالمزيد من الدعم الجوي في معارك القوات العراقية والمليشيات".
في غضون ذلك، كشف مسؤول حكومي في بغداد، أن "المعركة الثانية بعد الشرقاط، ستكون في حي الشورى وحمام العليل، رئة الموصل الجنوبية، ليتم بعدها التقاء قوات البشمركة والجيش في نقطة شرق دجلة، قبل الاتحاد والتوجه إلى الموصل".
ولفت المسؤول، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الخطة هي الثابتة، حتى الآن، وسيتم التخلي عن فكرة السيطرة على المناطق بالتسلسل، فدخول الشرقاط، وقبله القيارة، فتح طريقاً جانبياً إلى الشورى وحمام العليل، ومنها إلى النمرود. وإذا تمّت السيطرة عليها، فإن البلدات المتبقية الأخرى غير الموصل، ستنهار تلقائياً بعد محاصرتها". وأكد أن "الهدف هو تسريع الوصول إلى الموصل". وكشف عن قرب شنّ هجوم واسع على مدينة الحويجة (55 كيلومتراً، جنوب غربي كركوك شمال العراق) خلال الأسبوع المقبل.
وتابع قائلاً إن "طيران التحالف نفّذ خلال ثلاثة أيام فقط، أكثر من 130 غارة جوية، كانت كفيلة بحسم الموقف عسكرياً. وهناك وعود باستمرار تلك الوتيرة". وبيّن أن "ذلك كان على حساب البنى التحتية وأحياء سكنية بعضها مسح بشكل كامل".