تقدم 20 نائباً مصرياً، أول من أمس، بمذكرة عاجلة إلى رئيس البرلمان، علي عبد العال، يرفضون فيها زيارة رئيس وزراء إثيوبيا، هايله ميريام ديسالين، إلى البرلمان المصري. وأكد النواب، في المذكرة، أنها تأتي نظراً لخطورة الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإثيوبي لمجلس النواب، والتي أعلن أنها ستتم خلال ديسمبر/كانون الأول الحالي. وأضافوا "نتحفّظ على تلك الزيارة لما فيها من رسائل إيجابية سوف تتحقق للجانب الإثيوبي، والذي لا يألو جهداً ضد مصر في كافة المحافل الدولية، معتمداً على الأكاذيب القانونية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر بالسلب على قضيتنا الوطنية، وهي قضية مياه النيل باعتبارها قضية أمن قومي مصري وخطاً أحمر".
وتابع النواب "بالتالي نعلن عن رفضنا لتلك الزيارة. ونطلب من سيادتكم ضرورة عقد مجموعة لجان استماع حول موقفنا المصري من تلك القضية الخطيرة، ولكي يتحقق للمجلس موقف وطني محدد، ونقترح عليكم أن يحضر لجان الاستماع كل من وزراء الخارجية والزراعة والري وعدد من الخبراء الوطنيين، من بينهم الدكتور نادر نور الدين، والدكتور إبراهيم نصر الدين علام وخبراء آخرون، ونعتبر الأمر مهماً وعاجلاً لأهميته الوطنية".
يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه أستاذ المياه والأنهار في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، أن معركة مصر الأساسية في الوقت الراهن ليست إثبات أحقيتها في حصتها التاريخية، والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه، لكن إثبات الاستخدام الفعلي، والذي يمثل حدّ الأمان المائي المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأنهار العابرة للحدود. وقال نور الدين، في تصريحات خاصة، إن أديس أبابا قامت بتصميم سد النهضة بشكل يحمل ابتزازاً مسبقاً لمصر، موضحاً أن هناك طريقتين لمرور مياه النيل الأزرق، الذي تمثل مياهه 75 في المائة من مصادر مياه نهر النيل، من السد، الأولى أن تمر عبر بوابتين أسفل السد، والثانية عبر التوربينات المخصصة لتوليد الكهرباء. وأكد أنه لكي تضمن مصر تشغيل التوربينات الـ12 المخصصة لتوليد الكهرباء، لكي يكون هناك تدفق يضمن حصة مصر من المياه، لا بد أن تقوم بشراء الكهرباء من أديس أبابا، لأن تعاقدات الدول المجاورة لإثيوبيا، وفي مقدمتها السودان، لن تكون كافية لتشغيل كافة التوربينات. وشدد نور الدين على أن أديس أبابا كانت تبني السد وتزيد من قدرات حجز المياه خلفه، والتي وصلت إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، لتصدير الكهرباء، وليس لتلبية حاجات بلادها للتنمية والطاقة اللازمة لها.
وكان وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، قد أثار أزمة أخيراً بتصريحاته بأن مصر تتخوّف من سد النهضة الإثيوبي لأنه "سيمكن السودان من استخدام كامل حصته في مياه نهر النيل التي كانت تمضي لمصر على سبيل الدين منذ 1959". وأكد غندور أن سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، يحقق للسودان مصالحه، "لذا يقف السودان مع مصالحه، رغم أنه شدد مراراً على أن حصة مصر في مياه النيل، وفقاً لاتفاقية 1959، بالنسبة له خط أحمر". وعزا غندور تخوفات مصر من السد إلى خسارتها نصيب السودان الذي كان يذهب إليها خارج اتفاقية مياه النيل كسلفة. وقال "بصراحة، وللمرة الأولى، يقول سوداني بهذه الصراحة، السودان لم يكن يستخدم كل نصيبه في مياه النيل وفق اتفاقية 1959، وسد النهضة يحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي لمصر في وقت الفيضان، ويعطيها له في وقت الجفاف".
ومنحت اتفاقية مياه النيل، الموقعة في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1959، مصر 55.5 مليار متر مكعّب من إيرادات نهر النيل السنوية، والسودان 18.5 مليار متر مكعب. وكانت مصادر فنية، على صلة بإدارة ملف أزمة سد النهضة في وزارة الري المصرية، أكدت، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق أن السبب الذي أدى إلى فشل الجولة الـ17 للمفاوضات الفنية، التي استقبلتها القاهرة الشهر الماضي بحضور وزيري المياه الإثيوبي والسوداني كان رفض الدولتين الاعتراف بحق مصر في مبدأ الأمن المائي الذي يعني كامل حقها المكتسب بالأعراف الدولية، وهو أن حصتها الحقيقية تعني ما يصل لها بالفعل من المياه، وهو ما يقدر بنحو 70 مليار متر مكعب وليس 55 ملياراً، إذ رفضت إثيوبيا توقيع تعهد بضمان تلك الحصة.
في مقابل ذلك، قال مصدر دبلوماسي مصري في وزارة الخارجية المصرية إن هناك تحركات دبلوماسية مصرية لدى دول حوض النيل، وبعض الدول التي ترتبط مع إثيوبيا بعلاقات اقتصادية مباشرة، من أجل الضغط عليها، موضحاً "في الوقت ذاته يتم إعداد ملف قانوني مدعم بأدلة فنية". وأضاف "ربما تظن إثيوبيا أن مصر في الوقت الراهن لا تملك ما تضغط به للحفاظ على حقوقها، من دون أن تدرك أديس أبابا جيداً طبيعة المنطقة التي تتواجد بها من الناحية السياسية ودول الجوار"، رافضاً ذكر تفصيلات بشأن التلويح بذلك. وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وقّع ما يعرف باتفاق المبادئ، بوجود كل من رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس السوداني، عمر البشير، في الخرطوم، في مارس/آذار 2015. ويرى مراقبون أن تلك الخطوة كانت بمثابة انتصار كبير لأديس أبابا، وحملت اعترافاً قانونياً مصرياً بالسد، ما مكن إثيوبيا من مواصلة جلب تمويل دولي لاستكمال البناء، وهو ما لم يكن ليحدث من دون التوقيع المصري، إذ ترفض المؤسسات الدولية المانحة تمويل مشاريع متنازع عليها.
من جهته، قال دبلوماسي سوداني، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده "لا يمكنها أن تُلحق ضرراً بأي حقوق مصرية، إلا أن ما تطالب به القاهرة في ملف السد ليس حقاً، لكنها تريد فرض واقع جديد يمسّ الحقوق السودانية التي ليس لأحد حق التصرف فيها، ومنحها أو منعها، إلا السودانيين وفق مصالحهم العليا"، في إشارة لما تحدث عنه وزير الخارجية السوداني بشأن "السلفة" المائية الفائضة من حصة الخرطوم، والتي تريد القاهرة اعتبارها حقاً مكتسباً في الوقت الراهن. وأضاف الدبلوماسي السوداني "مددنا أيدينا لمصر، إلا أن القاهرة تريد التعامل معنا دائماً بأسلوب لا يليق بشعبين شقيقين وعلاقات تاريخية ممتدة".