ستعقد الجمعية الاتحادية (البرلمان) في باكستان جلسة خاصة، اليوم الثلاثاء، للموافقة على رئيس وزراء جديد، بعد عزل نواز شريف، زعيم "حزب الرابطة الإسلامية"، أكبر الأحزاب السياسية في باكستان، نتيجة حكم قضائي. وحسم "حزب الرابطة"، ذات الأغلبية في البرلمان، أمره بتعيين وزير البترول، شاهد خاقان عباسي رئيساً للوزراء لفترة مؤقتة لا تتجاوز 45 يوماً، حتى يتم ترشيح شهباز شريف إلى الجمعية وتسلّم مقعد شقيقه نواز شريف، حتى إجراء انتخابات نيابية منتصف العام المقبل.
على الضفة الأخرى، ما زالت بعض أحزاب المعارضة، وعلى رأسها "حزب حركة الإنصاف"، الذي يتزعمه نجم لعبة الكريكت السابق، عمران خان، تحتفل بما تصفه بانتصار المحاكم والديمقراطية. كما يبدو أن المعارضة الباكستانية، الممثلة بعدد من الأحزاب السياسية والدينية، فشلت في البقاء يداً واحدة، بعد فرح بعضها في اليوم الأول بالقرار القضائي ضد نواز شريف، إذ لم يشارك أي حزب في اجتماعات "حركة الإنصاف" واحتفالاتها، الأحد الماضي. وستنقسم المعارضة أكثر خلال الأيام المقبلة، إذ إن مجريات الساحة السياسية تشير إلى اختلاف وجهات النظر بين أكبر حزبين معارضين في البرلمان، هما "الشعب الباكستاني"، الذي يتزعمه الرئيس السابق، آصف علي زرداري، و"حركة الإنصاف"، بزعامة عمران خان، حول مرشح المعارضة لمنصب رئيس الوزراء وزعيم المعارضة في البرلمان، فيما تبقى أحزاب أخرى على الحياد، مثل "الرابطة الإسلامية"، جناح قائد أعظم. وما ينسحب على أحزاب المعارضة ينسحب كذلك على الأحزاب الدينية، التي لم توحّد كلمتها إزاء ما يجري على الساحة السياسية. فالجماعة الإسلامية، التي وإن رحّبت بعزل شريف، فإنها، كما يبدو، لا تؤيد حزبي المعارضة الرئيسيين في البرلمان، بينما وقفت جمعية علماء الإسلام، أكبر الأحزاب الدينية، إلى جانب شريف، الذي تلقى دعماً من بعض الأحزاب القومية، مثل "عوامي" البشتوني، الذي يتزعمه أسنفديار ولي خان، ضد الحكم القضائي.
وبعيداً عن المواقف المبنية جلها على المصالح السياسية، فإن الشارع الباكستاني هادئ إلى حد ما، خصوصاً فيما يتعلق بـ"حزب الرابطة الإسلامية" الذي اختار الطرق السلمية لمواجهة الأزمة، كما أكد نواز شريف في خطابه الأخير، وذلك على الرغم من الاجتماعات المكثفة لحزب "الإنصاف" على مستوى البلاد لتهنئة الشعب بما اعتبر أنه نجاح للقضاء. ولذلك فإنه يتوقع تواصل الهدوء أكثر، بعد قبول الجميع بقرار المحكمة.
وبغض النظر عن كل ما يجري في الظاهر، فإن للمؤسسة العسكرية ثقلها في مجريات الأحداث، خصوصاً مع المزاعم في باكستان بأن ما جرى لنواز شريف كان نتيجة خلافاته مع المؤسسة العسكرية. وبالإشارة إلى بعض التسريبات، فإن شريف خالف قيادات في الجيش والاستخبارات خلال اجتماع عُقد أخيراً بشأن موقف إسلام آباد من قضايا المنطقة، إذ قال شريف إن باكستان بحاجة إلى تغيير سياساتها إزاء المنطقة، لكن المسؤولين في الجيش والاستخبارات لم يصغوا له. وعند خروج القضية إلى العلن، أعرب الجيش عن أسفه الشديد، واتسعت الفجوة بين الجهتين، ما نتج عنها عزل شريف. لكن من المتوقع ألا تستمر الخلافات بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية، لا سيما وأنه من المعروف أن شهباز شريف، المرشح لمنصب رئيس الوزراء، صديق لقيادات في الجيش والاستخبارات، وعلاقاته مع الجيش أفضل من شقيقه نواز شريف. لكن يتوجب عليه أن يتعامل مع القضايا بشيء من الحذر والحيطة، إذ إن مواقف الجيش لم تتغير، كما أنه لا يرغب في انقلاب الحكومة المدنية عليه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وتحديداً ما تشهده المنطقة من تغيرات.
وتبقى علاقات باكستان بدول العالم، لا سيما إيران والإمارات، من أكبر التحديات التي تواجه رئيس الوزراء الجديد، بالنظر إلى ما شهدته باكستان أخيراً، وتحديداً قضية عزل شريف. إذ إنه من المعلوم أن المستفيد الأول من عزل شريف هو اللوبي الإيراني، فالرجل من المقربين من دول الخليج، لا سيما السعودية. ويعتقد بعض الباكستانيين أن الإمارات أدت دوراً مهماً في عزل شريف. وتبدأ قصة دور الإمارات في إسقاط نواز شريف من المشاريع العملاقة التي دشنتها حكومته، ومنها الممر الاقتصادي وميناء غوادر الذي يرتبط بمشاريع كبيرة على بحر العرب، إذ إن الإمارات من أكبر المتضررين منها، خصوصاً ما يتعلق بميناء جبل علي. وقد حاولت منذ عام 2014 إسقاط نواز شريف، عبر دعم اعتصامات واحتجاجات المعارضة الباكستانية، لكن جهودها باءت بالفشل. ولعل السبب وراء فشل تلك المحاولات هو خروج الشعب في تظاهرات تأييد لنواز شريف، ووقوف قائد الجيش السابق، راحيل شريف، إلى جانب الحكومة.
وكشفت قضية أوراق "باناما" أن المعارضة لجأت مرة أخرى إلى الإمارات بعد أن فشلت في إثبات تهم أخرى ضد نواز شريف. ويزعم أنصار شريف أن الإمارات كانت مستعدة للتعاون بشكل كامل مع المعارضة بهدف إسقاط شريف وإفشال المشاريع التي تتضرر منها. ويكشف القرار القضائي أن المعلومات التي أتت من الإمارات إلى المحكمة تؤكد أن شريف كان رئيساً فخرياً لشركة يملكها نجله حسن في دبي، وكان يتقاضى راتباً شهرياً حتى نهاية 2014، وهذا ما أخفاه عن الشعب، وبالتالي لم يبق شريف "الصادق الأمين" كما تنص عليه المادتان 62 و63 في الدستور، ما أدى إلى عزله. من هنا، فإن تطبيع العلاقات مع الإمارات وإيران، والحفاظ على المشاريع الاقتصادية ومصالح باكستان في المنطقة، من أهم الملفات التي يجب أن يتعاطى معها رئيس الوزراء المقبل، شهباز شريف، بالإضافة إلى الملفات الداخلية الكثيرة، وعلى رأسها العلاقة مع الجيش.