تحالفات بديلة للمملكة

26 ابريل 2016
+ الخط -
بوادر تشنج أصابت العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأميركا مع بداية الربيع العربي، واستمرت مع تعاقب الفصول الملونة للثورات العربية. وقفت الولايات المتحدة متفرجةً على نظام حسني مبارك يتهاوى في عملية تخلٍّ واعية، وربما مدروسة، عن حليفٍ قريب، ثم لَحَسَ أوباما خطوطه الحمراء في سورية، بعد أن استخدم النظام معداته الكيميائية ضد أطفال الغوطة، ما أعطى مزيداً من الوقت لنظامٍ لم تعد السعودية راغبة ببقائه.
عقد أوباما صفقة "نووية" مع إيران اعتبرتها السعودية تخل بعلاقات الإقليم، وتحرِّرُ يداً إيرانية، ستلتفت للعبث بالمنطقة، الأمر الذي شكل ريبة سعودية، وترقباً مثيراً للقلق، أجبرها على التحرّك بشكل منفرد لأول مرة.
قد يكفي التشنج لتوصيف العلاقة بين نظامين رسميين، لكن الموقف الشعبي الأميركي من السعودية كان أكثر وضوحاً، حين أبدا توجساً وعدائية مباشرة للمملكة، بعد رواج معلومات أن سعوديين رسميين كانوا على علاقةٍ بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وجاء ازدهار تنظيم الدولة الإسلامية ومرجعية السعودية الإسلامية المعروفة، والربط الساذج بينهما، ليكلل ذلك التوجس. انعكس الموقف الشعبي والإعلامي على شكل تململٍ أبداه أعضاء في الكونغرس، وجاءت تصريحات شبه مباشرة من مرشحي الرئاسة الأميركية الجمهوريين لتؤكد ذلك. بالنسبة لشخص الرئيس أوباما، عُرِفَ عنه عدم ميله للسعودية، منذ كان عضواً في الكونغرس، وعبَّر عدة مرات، بجملٍ غير مستحبّة بروتوكولياً، في أثناء تعريف علاقته بالنظام القائم في السعودية.
يشكل التساهل مع تطرّف إيران مسألة وجودية بالنسبة للسعودية التي لم تستطع ابتلاعه. لذلك، حاولت الالتفاف بشكل منفرد عليه، وبدأت بتجميع حلف إسلامي عريض، يضم دولاً كبيرة ذات تأثير، وتوّجت تحركها بمصالحةٍ مع تركيا، وبناء علاقة قوية مع مصر، لتشكل إيران الطرف المقابل الموجود على الضفة الأخرى.. ثم رفعت بطاقاتٍ حمراء بوجه أميركا مهدّدةً بسحب كل رصيدها في الداخل الأميركي البالغ مئات مليارات الدولارات، فيما لو تجرأ الكونغرس على وضع اسم المملكة في محاضر اتهام بأحداث "11 سبتمبر". جعلت هذه التحركات أوباما يطلق على السعودية تسمية "راكب الدراجة المنفرد"، ولكي يتم استيعاب هذا التحرّك المنفرد، أو ربما لتوكيد الحلف الاستراتيجي الشهير، جاء التعجّل في الزيارة من الجانب الأميركي.
لا يرغب أوباما بأن تنزل مرتبة التعاون مع السعودية، وعلى الرغم من عباراته عسيرة الهضم عن العلاقات معها، إلا أنه جاء بنفسه ليلتقي الملك سلمان وكل قادة دول الخليج. تمت ترجمة عنوان زيارته العريض على شكل بيان ختامي، يؤكد سلامة العلاقة، ويعزّز التعاون واستمرار التسليح. وحافظ أوباما على توصيته التي ما برح يردّدها أن على الدول المتجاورة الحفاظ على الحوار، للحصول على نتائج أفضل، في إشارةٍ إلى نجاعة التعاون مع إيران، وربما في اعترافٍ منه بالمكاسب الإيرانية التي حققتها في سورية والعراق ولبنان.
من غير المعروف مدى سوء العلاقة بين الطرفين، ولا يمكن تكهّن نيات أوباما، أو إذا كان قادراً عملياً على ضخ ليونةٍ في حالة الشد العضلي الراهنة مع السعودية، خصوصاً، ضمن فهمه المعقّد لعلاقات الإقليم، ونظرته غير العدائية لإيران، ما قد يجعل المملكة تتمسّك بتحركاتها الجديدة، وتعزّز تعاونها مع مصر وتركيا، مع إبقاء بابٍ مواربٍ لحوار مع إيران، قد لا يوجد طائل من ممارسته.
تدرك المملكة أن هذه آخر زيارة سيقوم بها أوباما، وهي آخر صفحة في كتاب علاقاته معها، وعينها على مرشحي الرئاسة الأميركية الجدد، وهي تتابع بعناية تصريحات دونالد ترامب، المرشح المحتمل للحزب الجمهوري، وتلاحظ تحامله الفظ على المسلمين، ونواياه غير الحميدة تجاه المملكة، فيما تبدو هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي أقرب إلى توجهات أوباما، لكن خيار السعودية في قيادة الدراجة بشكل منفرد يبدو نهائياً، وكأنها مطمئنة إلى مكانتها الاقتصادية وقوة العلاقات التي تبنيها مع دول الإقليم.