تجّار شارع الواد صامدون رغماً عن الاحتلال

16 أكتوبر 2015
في شارع الواد بالقدس المحتلة (محفوظ أبو ترك/الأناضول)
+ الخط -
إذا كنت قادماً من باب العامود، فهو أسهل وأسرع الطرق التي تؤدي إلى المسجد الأقصى، وإذا كنت لا تملك الوقت، وتريد البحث عن حاجياتك فهو السوق الصغير المناسب. وإن أردت تذوق حلويات القدس أو حمّص القدس أو معجنات القدس، فلا بدّ من المرور به. هنا شارع الواد في البلدة القديمة للقدس. أو كما بدأ بعض الشباب الفلسطيني يسميه "شارع الشهيد مهند حلبي". ففي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، نفذ الشاب الشهيد حلبي عمليته، تحت قنطرة من قناطر هذا الشارع الأثري، فقتل مستوطنين اثنين. ومنذ ذلك الحين، بدأت الحرب على الشارع وتجاره وساكنيه.
وقد دشّنت بلدية الاحتلال في القدس في اليومين الماضيين حملة عقوبات وخطوات انتقامية ضد التجار الفلسطينيين تحديداً في البلدة القديمة داخل الأسوار، وسلّمتهم بلاغات وإخطارات بدفع غرامات مالية عالية وصل بعضها إلى 6 آلاف شيكل 1570 دولاراً تحت بنود مختلفة، مثل وضع بسطات البضاعة في الطريق، أو أبعد من بوابة المحل بأكثر من نصف متر.
وتأتي هذه الإجراءات بعدما هدد رئيس الحكومة الإسرائيليية في الأسبوع الماضي بمعاقبة التجار في شارع باب الواد بحجة عدم مساعدة أحد المستوطنين الذين قتلوا في عملية طعن قبل أكثر من أسبوعين. وقد استدعت شرطة الاحتلال على الأقل 5 شبان ممن يعملون في محلات شارع الواد للتحقيق معهم حول ما حدث أمام محلاتهم، في محاولة لخنق أي حاضنة شعبية تلتف حول المقاومة.

اقرأ أيضاً: تشييع الشهيد حلبي: عرس لـ"الوحدة الفلسطينية"

عند الدخول إلى الشّارع من الجهة الشّمالية من جهة باب العامود، هناك حاجزٌ حديديٌّ والكثير من جنود الاحتلال. وبعد خطوات معدودة من مدخل الشارع، يكون موقع عملية الشّهيد حلبي، يليه تجمع للمستوطنين، وبعدها ينتظر الداخلَ إلى الشارع حاجز ثان، يقوم جنود الاحتلال بتفتيش جسدي للداخلين إليه، فضلاً عن التدقيق في بطاقة الهوية.

المكان في شارع الواد مزدحم بغير أهله. منذ ما يقارب 10 أيام، يتجمهر المستوطنون في الشارع، ويجلسون بالضبط أمام بؤرة استيطانية كان يعيش فيها أحد المستوطنين المقتولين في العملية. منذ 10 أيام، تحوّل الحيّ إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، بالكاد يظهر العرب، بينما يمتلئ الشّارع بأعداد كبيرة من جنود وشرطة الاحتلال وأفراد الاستخبارات، عدا عن المستوطنين.

يجلس إبراهيم، ابن الـ 18 عاماً، الذي يساعد والده في محله للفرش المنزلي، على كرسي أمام المحل الذي يقع أمام الحاجز الثاني، الذي يفتش المارة الفلسطينيين. يقول لـ"العربي الجديد": "منذ تنفيذ العملية وبدء تجمع المستوطنين هنا، لم نربح (شيكلاً) واحداً. لا توجد حركة تجارية مطلقاً". بحسب ابراهيم وغيره من التّجار، من الطبيعي أن تقلّ حركة الزبائن في ظلّ الأوضاع المتوترة في القدس المحتلة، خصوصاً التواجد الدائم للمستوطنين في الشّارع. لكن ذلك لا يعني "أن نغلق محلاتنا".

يؤكد إبراهيم أن ما يدفعه هو وأبوه لفتح المحل كلّ يوم رغم كل المخاطر والمضايقات التي قد يتعرضون لها هو عدم الاستسلام للأمر الواقع. ويقول "إذا أغلقت محلي، وجاري أغلق محله، وكلّ تجار الواد أغلقوا محلاتهم، فهذا يعني أننا فرضنا ما يريده الاحتلال بأيدينا، هم يريدون أن نرحل، ولذلك يجب ألّا نغلق". يعتبر أن فتحه للمحل حتى بدون تحقيق أي أرباح مادية هو "إثبات وجود أمام محاولة تهويد القدس وإفراغها من أهلها".

يؤيده في ذلك وديع الحلواني، عضو في لجنة تجار باب العامود، الذي يشرف محله على مدخل شارع الواد، ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن نفتح محلاتنا منذ عشرة أيام لا بغرض البيع والشراء، وانما بغرض الصمود لا غير، لا نريد أن نغلق المحلات فيأخذ الإسرائيليون ذلك ذريعة، ويحاولون فرض الإغلاق علينا كما حصل في البلدة القديمة في الخليل بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي".

اقرأ أيضاً: تهويد شارع الواد المقدسي... أولوية جديدة للاحتلال ومستوطنيه 

وأثناء حديث إبراهيم لـ"العربي الجديد"، وقف أمام المحل 3 عناصر من شرطة الاحتلال الإسرائيلي وأحد عناصر بلدية الاحتلال، وطالبوه بإنزال بعض الفرش المنزلي الذي اعتاد تعليقه أمام محله لعرضه علىا لزبائن. أثناء الحديث مع عناصر الاحتلال، قال لهم إبراهيم إن هذه المعروضات موجودة منذ زمن طويل، وهو دائماً يعرضها، فردّ عليه أحد أفراد شرطة الاحتلال: "من الآن فصاعداً يمنع تعليق أي شيء، الشرطة والبلدية يد واحدة".

على بعد أمتار قليلة من محل إبراهيم، فضّل سمير أبو صبيح، صاحب محل حلويات، إغلاق دفتي محله وإبقاء فتحة صغيرة تمكّنه من الخروج والدخول. في مقابل باب محلّه هناك باب البؤرة الاستيطانية التي كان يسكن فيها المستوطن القتيل، ما يعني أنه وسط تجمع المستوطنين القائم هناك منذ 10 أيام.

يقول سمير إنه وبعد يومين من وقوع عملية الطعن، وجد ملصقاً على باب محله يقول باللغتين العبرية والإنكليزية: "أصحاب هذه المحلات شاركوا في عملية قتل"، في إشارة إلى اتهامات شرطة الاحتلال الإسرائيلي لتجار شارع الواد بأنهم لم يقدموا المساعدة للمستوطنة التي أصيبت في عملية الطعن.

أزال سمير ذلك الملصق، وقال إن المستوطنين لا يملّون ويعاودون نشر ملصقات جديدة، في ما يبدو محاولة منهم لقطع أرزاق هؤلاء التجار من السّياح الذين يمرون بكثرة من ذلك الشارع، وصولاً إلى درب الآلام المشهور الذي مرّ فيه المسيح. أما عن خسائره، فيقدر سمير أنه خسر ما يقارب 10 آلاف (شيكل) (نحو 2600 دولار أميركي) خلال أسبوع.

وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد توّعد التجار الفلسطينيين بإجراءات عقابية ردّاً على ما سماه "عدم تقديمهم المساعدة للمستوطنة المصابة في عملية الطعن". وقد استدعت شرطة الاحتلال على الأقل 5 شبان ممن يعملون في محلات شارع الواد للتحقيق معهم حول ما حدث أمام محلاتهم، في محاولة لخنق أي حاضنة شعبية تلتف حول المقاومة.

ويشير سمير إلى حالة من الترقب يعيشها تجار شارع الواد؛ ففي حين تم استدعاء عدد منهم إلى التحقيق، يتوقع البعض أن يأتي عقاب آخرين على نحو المطالبة بأوراق وتراخيص جديدة من قبل بلدية الاحتلال، أو فرض ضرائب ومخالفات لأسباب واهية. وعلى الرغم من حالة الترقب هذه، فإن غالبية محلات شارع الواد ما تزال تفتح أبوابها منذ ذلك الحين، رغم انعدام الزائرين وقلة الروّاد العرب. وانتهى تجمع المستوطنين في شارع الواد لعزاء المستوطن أمس، لكن تبقى الأجواء مشحونة، خصوصاً في ظل الانتشار المكثف لقوات الاحتلال في الأزقة، حيث تعدّ الأخيرة لوضع البوابات الإلكترونية الفاحصة للمعادن عند مدخل الشارع من جهتيه الشمالية والجنوبية.

وكانت كتلة "البيت اليهودي" في الكنيست قد عقدت اجتماعاً لها يوم الثلاثاء الماضي في شارع الواد، كنوع من التأكيد على السّيادة الإسرائيلية، وقد شارك فيها وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت، الذي قال إن "شارع الواد يجب أن يكون كأي شارع في تل أبيب تفرض فيه القوانين الإسرائيلية ويدافع فيه عن الإسرائيليين في وجه ما يتعرضون له"، على حدّ تعبيره.

المساهمون