31 أكتوبر 2024
تجارة الموت الإسرائيلية .. و"داعش"
يتحدث الغرب، وبعض الشرق، بلسان واحد تقريباً، عن خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والإرهاب، باعتبارها الشيطان الوحيد في هذا العالم، حتى صدّق بعضنا هذا التدليس المتعمد، وبات يتحدث عن حربها بأوداج منتفخة، وحرارة مستهجنة، بل أصبحت "ملاذاً" للمجرم الحقيقي في هذا العالم، وذريعة له للتوسع في جرائمه، وبطشه.
القصة ليست قصة داعش ولا فاحش، ولا حالش، إنها، باختصار، أن ثمة عصابة من القتلة وقطاع الطرق، لم يحتلوا فلسطين فقط، بل عاثوا في الكون فساداً، وسخروا كل ما فيه تقريباً، لخدمة مشروعهم التخريبي، وأعادوا تأثيث الذاكرة الجمعية للبشر، بأدوات القتل البشعة التي كان يستخدمها أكلة لحوم البشر، فخرّبوا الذائقة الجمالية للإنسان. هذه ليست أفكاراً "لاسامية"، حسب تصنيفهم، بل هي مقاربة مخففة، لما فعله الصهاينة في فلسطين، وما انداح من أحداث على سطح الكرة الأرضية، تتماهى مع الاحتلال، وتدعمه، ما ولّد حالة سخط عند الشعوب، خصوصاً حين رأت الـواحد في المائة من سكان الكوكب، وهم حكامه و"حكماؤه الكذبة!" مجرد خدم في كنيس كبير، مليء بحاخامات القتل والإرهاب المنظم. هؤلاء وأولئك، خرّبوا "بيتي الأول" في يافا، واستولوا عليه، وجاءوا بلصوصٍ باحثين عن الثروة، ليحتلوا غرفة نومي، فيما أنام أنا في اللامكان. صورة مصغرة جداً، ومكثفة، لتشريد 60 مليون نسمة فيما بعد، (حسب تصريح وزير خارجية الكويت) نتيجة الحروب التي اندلعت، وتندلع، في منطقتنا، والعالم، منذ وطىء أول قاطع طريق في "بتاح تكفا" أو فاتحة الأمل، كما يسمونها، وبنت "دولة"، بل عصابة لتصدير الموت والدمار لمختلف أركان الدنيا.
كم أضحكني الكاتب العبري، يوئيل ماركوس، في تشبيهه ذاك الذي يخدش الحياء العام، كتب، أخيراً، في مقالته في "هآرتس": "الطفل البلجيكي المصنوع من البرونز يبول في حوض النافورة في بروكسل. أما زعيمنا من لحم ودم، فيفعل هذه الفعلة علينا". المُبكي في المشهد، أن "زعيمهم" يفعلها عليهم، وهم يفعلونها على العالم كله.
وإذا كان ثمة أحد لا يصدق "مزاعمي!"، فتعالوا معاً لنقلب شيئاً من سيرة هذا الوحش، وسيرته الإجرامية في العالم، وبلغة الوقائع والأرقام.
في حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، دربت "إسرائيل" قوة دفاع جنوب إفريقيا، وباعت عدداً كبيراً من الدبابات وتكنولوجيا الطيران للجيش الجنوب إفريقي. عدا عن ترخيصها لإنتاج بنادق "الجليل" الإسرائيلية في مصانع جنوب إفريقية. وفي وقت كان العالم فيه يحاول مقاطعة الحكومة العنصرية في بريتوريا، تمكنت حكومة جنوب إفريقيا العنصرية من الوصول إلى دولةٍ، تزودها بما تحتاج من سلاح، من دون أي وازع أخلاقي أو أممي. ولعل هذا ما يجعل حركة مقاطعة "إسرائيل" في جنوب إفريقيا نشطة، فحتى الآن ما زالت خيوط الدعم الإسرائيلي للنظام العنصري تتكشف، حيث تم في عام 2010 الكشف عن وثيقة سرية خطيرة، تضمنت عرضاً إسرائيلياً لبيع رؤوس نووية حربية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إبّان حكمه هناك.
ووفقاً للصحافي، جيرمي بجوود، (ميدل إيست مونيتور، ترجمة هيثم فيضي) فإن إسرائيل زودت الجماعات اليمينية والأنظمة المختلفة في أميركا اللاتينية بالتدريب والمستشارين، بما فيها دول الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والدومينيكان والإكوادور والسلفادور، مروراً حتى فنزويلا. فعلى سبيل المثال، كانت إسرائيل المورد الأكبر للسلاح للجيش الغواتيمالي في الفترة التي اتهم فيها هذا الجيش بارتكاب إبادة جماعية ضد الهنود الحمر (راح ضحيتها قرابة 200 ألف شخص).
وأصبحت إسرائيل، أيضاً، المورّد الأساسي للسلاح لنظام بينوشيه سيء السمعة في تشيلي، بعد أن علقت الإدارة الأميركية كل المساعدات العسكرية عليه. ووفق تقارير، دربت إسرائيل وجهزت المخابرات التشيلية، كما أنها كانت مسؤولة عن خطف عشرات الآلاف من المواطنين هناك في تلك الحقبة، وقتلهم وتعذيبهم.
وفي السلفادور، حيث دارت حرب أهلية بين الطبقة المالكة للأراضي والمدعومة من الجيش ضد منظماتٍ يسارية شعبية، فقد باعت إسرائيل أسلحة للجيش السلفادوري، وساعدت بتشكيل الشرطة السرية هناك، وقد شكلت هذه الشرطة لاحقاً فرق الموت سيئة السمعة، والتي ساعدت بقتل عشرات آلاف الناشطين، ومعظمهم من المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، ورّدت إسرائيل أسلحة إلى رواندا، في أثناء الإبادة الجماعية عام 1994، فعلى مدى مائة يوم، قتل قرابة مليون رواندي في الإبادة الجماعية التي استهدفت عرقية التوتسي. ووفق وثائق كشفت لاحقاً، فقد قدمت إسرائيل الدعم العسكري لقوات الهوتو، التي مارست الإبادة، بكميات كبيرة من الرصاص والذخائر مثل رصاص 5.56 ملم (مدفع رشاش 500)، بالإضافة إلى أسلحةٍ استخدمها جيش الاحتلال في حرب 1973.
وفيما يخص رواندا تحديداً، فقد تراكمت الدلائل على ذلك على مر السنين، وبعضها تم جمعها عن طريق الإسرائيليين الذين زاروا رواندا في أثناء الإبادة الجماعية، أو بعدها بقليل. وفي وقت سابق من العام الجاري، رفضت محكمة إسرائيلية عريضة من رواندا، تطالب بالإفراج عن أوراق توثق تصدير إسرائيل الأسلحة لرواندا في تلك الفترة. واستشهد أحد الذين قدموا هذه العريضة بكلام تاجر سلاح إسرائيلي قال فيه، "بدلاً من أن يموتوا بساطور في تلك المذبحة، سهلنا لهم الموت عن طريق رصاص لم نعد نستخدمه، لأنه قديم، وأخذنا نحن ثمنه".
في الآونة الأخيرة، يشهد جنوب السودان تركيزاً كبيراً في صناعة السلاح الإسرائيلي، فمنذ أعلنت البلاد استقلالها عام 2011، أرسلت إسرائيل أسلحة وقوات حكومية مدربة إلى هناك. وصدر تقرير للأمم المتحدة، أخيراً، يتهم حلفاء عسكريين بنهب وقتل قرابة 100 ألف شخص هناك، عدا عن اغتصاب وقتل نساءٍ عديدات، وقد ورد اسم إسرائيل فيه مزوداً للسلاح لهذه الجماعات ومشرفة على تدريبها. ونتيجة لتقرير الأمم المتحدة هذا، جمّد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مساعدات عسكرية كانت متجهة إلى جنوب السودان، وأمر بفرض حظر على الأسلحة وتجميد أصول المتورطين في جرائم القتل والحرب هناك. وفي نهاية العام، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً للأسلحة هناك أيضاً، إلا أن هذا الحظر لم يمنع وفداً رسمياً من جنوب السودان من حضور معرض إسرائيلي للأسلحة في فترة لاحقة، وحين طلبت منظمات أهلية إسرائيلية وقف تصدير السلاح إلى جنوب السودان، التزمت وزارتا الحرب والخارجية الصمت حيال الموضوع.
هذا جزء من جبل الجليد الذي يمثل نشاطات تجار الموت الإسرائيليين، المنتشرين في الأرض، لتقديم خبراتهم في القتل والتعذيب والإبادة، مرتزقة وتجار سلاح، ولا يشمل طبعاً جريمتها الكبرى في احتلال فلسطين، وتشريدها ملايين الفلسطينيين، وعمليات القتل الميداني المستمر. وتبدو "داعش"، مقارنة بعصابة القتلة في إسرائيل، حملاً، خصوصاً وأن هذه العصابة محمية على نحو كامل من الواحد في المائة الذين يحكمون العالم، ويضعون القوانين ويديرون آلة الإعلام، وما تبثه من أكاذيب وتضليل للرأي العام، المنشغل بارتفاع درجة حرارة الأرض، التي غطتها إسرائيل بالدم.
القصة ليست قصة داعش ولا فاحش، ولا حالش، إنها، باختصار، أن ثمة عصابة من القتلة وقطاع الطرق، لم يحتلوا فلسطين فقط، بل عاثوا في الكون فساداً، وسخروا كل ما فيه تقريباً، لخدمة مشروعهم التخريبي، وأعادوا تأثيث الذاكرة الجمعية للبشر، بأدوات القتل البشعة التي كان يستخدمها أكلة لحوم البشر، فخرّبوا الذائقة الجمالية للإنسان. هذه ليست أفكاراً "لاسامية"، حسب تصنيفهم، بل هي مقاربة مخففة، لما فعله الصهاينة في فلسطين، وما انداح من أحداث على سطح الكرة الأرضية، تتماهى مع الاحتلال، وتدعمه، ما ولّد حالة سخط عند الشعوب، خصوصاً حين رأت الـواحد في المائة من سكان الكوكب، وهم حكامه و"حكماؤه الكذبة!" مجرد خدم في كنيس كبير، مليء بحاخامات القتل والإرهاب المنظم. هؤلاء وأولئك، خرّبوا "بيتي الأول" في يافا، واستولوا عليه، وجاءوا بلصوصٍ باحثين عن الثروة، ليحتلوا غرفة نومي، فيما أنام أنا في اللامكان. صورة مصغرة جداً، ومكثفة، لتشريد 60 مليون نسمة فيما بعد، (حسب تصريح وزير خارجية الكويت) نتيجة الحروب التي اندلعت، وتندلع، في منطقتنا، والعالم، منذ وطىء أول قاطع طريق في "بتاح تكفا" أو فاتحة الأمل، كما يسمونها، وبنت "دولة"، بل عصابة لتصدير الموت والدمار لمختلف أركان الدنيا.
كم أضحكني الكاتب العبري، يوئيل ماركوس، في تشبيهه ذاك الذي يخدش الحياء العام، كتب، أخيراً، في مقالته في "هآرتس": "الطفل البلجيكي المصنوع من البرونز يبول في حوض النافورة في بروكسل. أما زعيمنا من لحم ودم، فيفعل هذه الفعلة علينا". المُبكي في المشهد، أن "زعيمهم" يفعلها عليهم، وهم يفعلونها على العالم كله.
وإذا كان ثمة أحد لا يصدق "مزاعمي!"، فتعالوا معاً لنقلب شيئاً من سيرة هذا الوحش، وسيرته الإجرامية في العالم، وبلغة الوقائع والأرقام.
في حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، دربت "إسرائيل" قوة دفاع جنوب إفريقيا، وباعت عدداً كبيراً من الدبابات وتكنولوجيا الطيران للجيش الجنوب إفريقي. عدا عن ترخيصها لإنتاج بنادق "الجليل" الإسرائيلية في مصانع جنوب إفريقية. وفي وقت كان العالم فيه يحاول مقاطعة الحكومة العنصرية في بريتوريا، تمكنت حكومة جنوب إفريقيا العنصرية من الوصول إلى دولةٍ، تزودها بما تحتاج من سلاح، من دون أي وازع أخلاقي أو أممي. ولعل هذا ما يجعل حركة مقاطعة "إسرائيل" في جنوب إفريقيا نشطة، فحتى الآن ما زالت خيوط الدعم الإسرائيلي للنظام العنصري تتكشف، حيث تم في عام 2010 الكشف عن وثيقة سرية خطيرة، تضمنت عرضاً إسرائيلياً لبيع رؤوس نووية حربية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إبّان حكمه هناك.
ووفقاً للصحافي، جيرمي بجوود، (ميدل إيست مونيتور، ترجمة هيثم فيضي) فإن إسرائيل زودت الجماعات اليمينية والأنظمة المختلفة في أميركا اللاتينية بالتدريب والمستشارين، بما فيها دول الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والدومينيكان والإكوادور والسلفادور، مروراً حتى فنزويلا. فعلى سبيل المثال، كانت إسرائيل المورد الأكبر للسلاح للجيش الغواتيمالي في الفترة التي اتهم فيها هذا الجيش بارتكاب إبادة جماعية ضد الهنود الحمر (راح ضحيتها قرابة 200 ألف شخص).
وأصبحت إسرائيل، أيضاً، المورّد الأساسي للسلاح لنظام بينوشيه سيء السمعة في تشيلي، بعد أن علقت الإدارة الأميركية كل المساعدات العسكرية عليه. ووفق تقارير، دربت إسرائيل وجهزت المخابرات التشيلية، كما أنها كانت مسؤولة عن خطف عشرات الآلاف من المواطنين هناك في تلك الحقبة، وقتلهم وتعذيبهم.
وفي السلفادور، حيث دارت حرب أهلية بين الطبقة المالكة للأراضي والمدعومة من الجيش ضد منظماتٍ يسارية شعبية، فقد باعت إسرائيل أسلحة للجيش السلفادوري، وساعدت بتشكيل الشرطة السرية هناك، وقد شكلت هذه الشرطة لاحقاً فرق الموت سيئة السمعة، والتي ساعدت بقتل عشرات آلاف الناشطين، ومعظمهم من المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، ورّدت إسرائيل أسلحة إلى رواندا، في أثناء الإبادة الجماعية عام 1994، فعلى مدى مائة يوم، قتل قرابة مليون رواندي في الإبادة الجماعية التي استهدفت عرقية التوتسي. ووفق وثائق كشفت لاحقاً، فقد قدمت إسرائيل الدعم العسكري لقوات الهوتو، التي مارست الإبادة، بكميات كبيرة من الرصاص والذخائر مثل رصاص 5.56 ملم (مدفع رشاش 500)، بالإضافة إلى أسلحةٍ استخدمها جيش الاحتلال في حرب 1973.
وفيما يخص رواندا تحديداً، فقد تراكمت الدلائل على ذلك على مر السنين، وبعضها تم جمعها عن طريق الإسرائيليين الذين زاروا رواندا في أثناء الإبادة الجماعية، أو بعدها بقليل. وفي وقت سابق من العام الجاري، رفضت محكمة إسرائيلية عريضة من رواندا، تطالب بالإفراج عن أوراق توثق تصدير إسرائيل الأسلحة لرواندا في تلك الفترة. واستشهد أحد الذين قدموا هذه العريضة بكلام تاجر سلاح إسرائيلي قال فيه، "بدلاً من أن يموتوا بساطور في تلك المذبحة، سهلنا لهم الموت عن طريق رصاص لم نعد نستخدمه، لأنه قديم، وأخذنا نحن ثمنه".
في الآونة الأخيرة، يشهد جنوب السودان تركيزاً كبيراً في صناعة السلاح الإسرائيلي، فمنذ أعلنت البلاد استقلالها عام 2011، أرسلت إسرائيل أسلحة وقوات حكومية مدربة إلى هناك. وصدر تقرير للأمم المتحدة، أخيراً، يتهم حلفاء عسكريين بنهب وقتل قرابة 100 ألف شخص هناك، عدا عن اغتصاب وقتل نساءٍ عديدات، وقد ورد اسم إسرائيل فيه مزوداً للسلاح لهذه الجماعات ومشرفة على تدريبها. ونتيجة لتقرير الأمم المتحدة هذا، جمّد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مساعدات عسكرية كانت متجهة إلى جنوب السودان، وأمر بفرض حظر على الأسلحة وتجميد أصول المتورطين في جرائم القتل والحرب هناك. وفي نهاية العام، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً للأسلحة هناك أيضاً، إلا أن هذا الحظر لم يمنع وفداً رسمياً من جنوب السودان من حضور معرض إسرائيلي للأسلحة في فترة لاحقة، وحين طلبت منظمات أهلية إسرائيلية وقف تصدير السلاح إلى جنوب السودان، التزمت وزارتا الحرب والخارجية الصمت حيال الموضوع.
هذا جزء من جبل الجليد الذي يمثل نشاطات تجار الموت الإسرائيليين، المنتشرين في الأرض، لتقديم خبراتهم في القتل والتعذيب والإبادة، مرتزقة وتجار سلاح، ولا يشمل طبعاً جريمتها الكبرى في احتلال فلسطين، وتشريدها ملايين الفلسطينيين، وعمليات القتل الميداني المستمر. وتبدو "داعش"، مقارنة بعصابة القتلة في إسرائيل، حملاً، خصوصاً وأن هذه العصابة محمية على نحو كامل من الواحد في المائة الذين يحكمون العالم، ويضعون القوانين ويديرون آلة الإعلام، وما تبثه من أكاذيب وتضليل للرأي العام، المنشغل بارتفاع درجة حرارة الأرض، التي غطتها إسرائيل بالدم.