حالة من القلق والتشكيك تساور قرابة 1.25 مليون موظف حكومي في ليبيا، بشأن قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاههم، بعدما تأخر صرف رواتب شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بالإضافة إلى تأخر صرف رواتب قطاع التعليم بمفرده لمدة خمسة أشهر، والذي يشكل نحو 26% من إجمالي الرواتب.
وقال الناطق الرسمي باسم مصرف ليبيا المركزي، مصباح العكاري، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن سبب أزمة رواتب المُوظفين الحكوميين تتمثل في محورين: أولهما أن
الرواتب سوف تصرف على الأحمر (أي من الاحتياطات النقدية)، بسبب عدم وجود عوائد نفطية. والمحور الثاني هو عدم تقيد بعض الجهات الحكومية بالرقم الوطني، ما يتسبب في العديد من المشاكل خلال عملية صرف الرواتب.
وقال العكاري إن جزءاً من رواتب شهر يناير/كانون الثاني سوف تصرف في القريب العاجل، وتحديداً خلال شهر فبراير/شباط الجاري، عبر منظومة الرقم الوطني.
وارتفعت قيمة الرواتب في الموازنة العامة من 8 مليارات دينار (5.8 مليارات دولار) عام 2010 إلى 23 مليار دينار (16.8 مليار دولار) خلال العام الماضي، حسب الإحصائيات الرسمية. وتقول تقارير حكومية إن تطبيق الرقم الوطني سيخفض قيمة الرواتب إلى 19 مليار دينار.
وتنفق الحكومة نحو 1.6 مليار دينار (1.3 مليار دولار) شهرياً كرواتب لموظفيها، لكن الدولة واجهت أزمة، بسبب تراجع إنتاج النفط إلى 350 ألف برميل يومياً، بدلاً من 1.5 مليون برميل خلال الأربع سنوات الماضية، حيث تعتمد ليبيا على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 95% من خزانة الدولة.
ويعاني الاقتصاد الليبي من أزمة كبيرة، عبر الاعتماد على التوظيف غير الرشيد والدعم السلعي لتوفير الأغطية المالية للخدمات والسلع الرئيسية، وأدى ذلك إلى استنزاف احتياطات مصرف ليبيا المركزي الذي تراجع حالياً إلى 95 مليار دولار من 130 مليار دولار مطلع العام الماضي.
وذكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة الإنقاذ الوطني، سميرة الفرجاني، في تصريحات صحافية سابقة، أن المصرف المركزي وافق على صرف 121 مليون دينار، لسداد جزء من مرتبات الموظفين، بالإضافة إلى صرف معاشات 43 ألف موظف لأربعة أشهر تقريباً من فئة الذين يتقاضون معاشات أساسية، حسب الفرجاني.
وعلى صعيد آخر، دخل المعلمون في منطقة مزده (تبعد 180 كلم شمال غرب العاصمة طرابلس) في إضراب مفتوح منذ أسبوع، بسبب عدم صرف مرتبات أربعة أشهر.
وكان ديوان المحاسبة قد أصدر قراراً يقضي بتنفيذ إجراءات رقابية على الحسابات المصرفية لأجهزة الدولة الرسمية، لتنظيمها، والمحافظة على المال العام في 21 من يناير/كانون الثاني الماضي.
وتم خلال الفترة الماضية استئناف مفاوضات السلام بين الأطراف المتحاربة والمتحالفة مع حكومتين متنافستين تديران ما يشبه دولتين في غرب وشرق البلاد، ولم تحرز المحادثات تقدما يذكر حتى الآن.
وما زاد من تعقيد الأزمة بين الطرفين الليبيين، الضربات العسكرية المصرية على مدينة درنة (شرق)، بسبب جريمة ذبح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" 21 مصريا.
وتشهد ليبيا نزاعاً بين قوات "فجر ليبيا" التي يشكلها المؤتمر الوطني والثوار، والقوات التابعة للّواء المتقاعد خليفة حفتر، على أحقية إدارة البلاد، في ظل صراع مسلح احتدم خلال الشهور الأخيرة، وامتد إلى الحقول النفطية، في محاولة للسيطرة عليها.
وأطلقت أميركا وخمس دول حليفة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا)، تحذيرات الأسبوع الماضي من احتمال أن تواجه ليبيا الإفلاس في حال استمر تراجع أسعار النفط، والاضطرابات الأمنية في البلاد، الذي أثر سلباً على معدلات إنتاج وتصدير النفط.
وقال البيان "لا نزال قلقين جداً إزاء العواقب الاقتصادية للأزمة السياسية والأمنية على ازدهار ليبيا في المستقبل"، مضيفاً أنه "في ضوء تراجع أسعار النفط عالمياً وضعف الإنتاج، تواجه ليبيا عجزاً في الموازنة من الممكن أن يستهلك كل مواردها المالية، إذا لم يستقرّ الوضع".
ومن جانبه، توقع صندوق النقد الدولي، في تقرير سابق له، أن تكون ليبيا الأعلى في تسجيل
العجز في الموازنة بالدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، ليصل إلى 37.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بسبب تراجع أسعار النفط.
وكان "المركزي" قد دعا في بيان له إلى اتخاذ إجراءات فورية لترشيد الإنفاق، مهما كانت صعبة ومؤلمة، لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الإجراءات الواجب اتخاذها، لترشيد الإنفاق العام، ومواجهة الأزمة المالية، في ظل معالجة عجز الميزانية للعام 2014 والبالغ 25.1 مليار دينار، معالجة قانونية، وفق التشريعات النافذة.
وأكد "المركزي" ضرورة إعادة النظر في مرتبات بعض القطاعات، وتأجيل دفع علاوة الأبناء والعائلة. وتصرف ليبيا سنوياً ما يقرب من 3 مليارات دينار كعلاوة للأبناء.
وطالب "المركزي" بإعادة النظر في سياسات الدعم بشكل فوري، واقترح تأجيل القرارات الصادرة مؤخراً حول الإيفاد والبعثات الدراسية والتدريب في الخارج، إلى حين تحسّن الأوضاع الاقتصادية والمالية.