بين مصر وأميركا.. الإزدواجيّة تشتكي

07 مايو 2015
+ الخط -

ما بين الترغيب والترهيب.. تستخدم الرموز المحسوبة على الدولة المصرية (Regime Proxy)، كلمة "أميركا" تارة لترهيب شعبها بالمؤامرة الأجنبية على مصر، وتارة للترغيب بأن أميركا الحليف الدائم لمصر. فالموقف المصري بات متغيّراً بشكل جذري، ليس في فترات معينة بعينها، بل على طول الخط، عقب ثورة يناير 2011. فبالنظر إلى المواقف المصرية بشقيها الرسمي وغير رسمي، نلحظ الفروقات بين الحقيقة والخيال.

فالنظام المصري، الذي أطلق العديد من التصريحات عقب ثورة يناير 2011 حتى يومنا هذا، قد تبدو أكثر تناقضاً يوماً تلو الآخر. دعنا نتحدث عن المواقف المصرية من الولايات المتحدة الأميركية التي تناثرت مرة بين تأكيد على قوة العلاقات المصرية الأميركية وضرورة وجود الولايات المتحدة بجوار مصر لدعمها الاقتصادي والعسكري بالإضافة إلى محاربة الإرهاب في التوقيتات ذاتها التي تتهم فيها مصر، ولا سيما أداتها الإعلامية، العديد من شباب الثورة بعمالتهم لصالح الولايات المتحدة، معتقدة أن الولايات المتحدة بالتعاون مع فزاعة الإخوان تقف وراء ثورة يناير وتحريك شباب الثورة لضرب وزعزعة استقرار الدولة المصرية.

تلك الازدواجية التي تتخذ جانبين، أولهما التعاون المصري الأميركي على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فعلى الصعيد الاقتصادي، يبدو أن دعوة مصر للمستثمرين الأميركيين في أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، لحضور لقاء موسّع مع الرئيس المصري، تعكس طابعاً خاصاً للعلاقات الثنائية للبلدين، وخاصة عندما تولى السيسي بنفسه إدارة اللقاء الذي جمعه بالمستثمرين، ناهيك عن المساعدات العسكرية التي تحصل عليها مصر سنوياً من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الزيارات العسكرية المصرية المتعددة للولايات المتحدة. فبالتأكيد مثل تلك العلاقات العسكرية والاقتصادية إنما تبعث بروحها إلى قوة العلاقات السياسية بين البلدين.

إذاً، العلاقات السياسية بين البلدين بلغت حداً من الثقل، وليس عنا ببعيد ما أكده بذلك المعنى وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، في مقابلة مع إحدى المحطات الحكومية الأميركية، عندما شبّه العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر بأنها علاقة "زواج" وليست "علاقة ليلة واحدة"، ما يثير تساؤلاً مهمّاً: "إذا كانت العلاقة بين البلدين علاقة زواج فعلية، فما سر التناقضات الفجّة التي تخرج بها الدولة في أوقات مختلفة"؟ يبدو أن فهمي قد أخطأ عندما وصف العلاقة بذلك الوصف!

ويبدو أن وزراء الخارجية المصريين قد تعودوا على ذلك، فوزير الخارجية المصري الحالي، سامح شكري، الذي عمل سفيراً لمصر لدى الولايات المتحدة سابقاً، يرى أن الولايات المتحدة تمثل أحد أهم اللاعبين الرئيسيين وراء الحراك السياسي في مصر، لا سيما عقب عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وقبل ذلك أيضاً، عن طريق اتصال الإسلاميين بالمراكز البحثية الأميركية المتواصلة بالجهاز الاستخباراتي الأميركي التي تؤثر على دوائر صنع القرار الأميركي تجاه الوضع في مصر، حسب ما ذكرته "بوابة أخبار اليوم" الحكومية، في فبراير/ شباط 2014.

"إدّونا بس الـF16 والأباتشي بدل ما انتوا راكنينها من سنة ونص"، هكذا علّق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حواره مع قناة CBS الأميركية رداً على سؤال المذيع الأميركي تشارلي روز عندما سأله عن إمكانية الجيش المصري لتوجيه ضربات مشتركة مع التحالف الدولي ضد "داعش"، هنا ظهر السيسي في مشهد لا يليق إطلاقا بكونه رئيساً، وهنا نثير سؤالاً آخر وهو: أكُلُّ ما يريده السيسي ليكون راضياً عن دولة ما هو المال والسلاح؟ وهل يتأتى له ذلك بتلك الطريقة؟!

وفي مشهد آخر، ورغم أن برنامجه التلفزيوني يحمل اسم "لازم نفهم"، يبعث رئيس تحرير جريدة الوطن المصرية، مجدي الجلاد ـ أحد الأذرع الإعلامية للدولة ـ في 31 يناير/ كانون الثاني 2015، برسالة إلى المشاهدين المصريين بتحديه للسفارة الأميركية بالقاهرة أن تنفي وجود مؤامرة ضد مصر برعاية الرئيس الأميركي. نعم هكذا قالها الجلاد بالتاريخ المذكور ذاته، ونعم قالها قبل أيام من انعقاد المؤتمر الاقتصادي الدولي في مصر الذي ستشارك فيه تلك الدولة المتآمرة على مصر لدعوتها لضخ أموالها لاستثمارها في البلاد، لا أعلم كيف!

في أوج الحديث عن العلاقات الجيدة بين البلدين، تتهم مصر بشكل غير مباشر بعضاً من موظفي السفارة الأميركية بالتخابر لصالح الولايات المتحدة، رغم كونهم مجرد موظفين، معتقدة بشكل ما أن الولايات المتحدة تبعث بعملاء لها في وجوه ثورية متحكمة من خلالهم بتنفيذ أجندة أميركية! ناهيك عن العديد والعديد من الاتهامات الموجهة ليلاً ونهاراً على شاشات التلفزة المصرية لشباب ثورة يناير بأنهم ما قاموا بالثورة إلا تنفيذاً لتلك المؤامرة الأجنبية الشنعاء التي تقف وراءها أميركا والتي بدورها قد قامت بإقناع شريحة من المشاهدين المصريين بذلك عن طريق بعض التحليلات الوهمية مستغلة بذلك عقول البسطاء، بل وأن السيسي، في كلمته في الذكرى الرابعة لثورة يناير، قال: "إنه لمن الظلم اختزال الربيع العربي بأنه مؤامرة فقط".

بين هذا وذاك، يبقى المواطن المصري، ترى في ما يأمل وماذا يريد من أميركا؟ وأي أميركا بالتحديد في ظل الموقف غير الواضح بل غير المفهوم؟ ذلك المواطن الذي يرى التغييرات في الموقف المصري تجاه الولايات المتحدة تسير بشكل متعاكس، فحين يتعلّق الأمر بمصالح لصالح جهاز الدولة، مالية كانت أم عسكرية، تصبح أميركا في لمح البصر راعية الاستقرار في مصر، بينما إذا تعلق الأمر بشباب الثورة، فإنها تلقي باتهامها لهم بالعمالة لصالح الولايات المتحدة راعية الزعزعة وضرب الاستقرار في مصر!


(مصر)

المساهمون