بين جحيم نتنياهو وجهنم غانتس

01 أكتوبر 2019
+ الخط -
بحسب المراجع الدينية المعتمدة، للنار سبعة أبواب. وفي تفسير آخر، قيل إنها سبع طبقات، أشهرها بابا جهنم والجحيم، أما أقلها تداولاً فهي سقر وسعير والحطمة. الأمر الذي يُضمر استدراكاً مفاده بأننا بصدد الحديث عن شيء واحد، مهما اختلفت التسميات، وبالتالي فإن المفاضلة بين هذا البديل أو ذاك، وفق ما تشي به محمولاتٌ قابلةٌ للتأويل في العنوان أعلاه، غير جائزة بتاتاً، ولا محلّ لها على الإطلاق، طالما أن هذين البابين الرائجين على الألسن يفضيان، كغيرهما، إلى بيت النار والعياذ بالله.
هكذا بدا لي حال أعضاء القائمة العربية المشتركة، وهم يديرون في ما بينهم نقاشاً داخلياً مكتوماً، بعد فوزهم الكبير في انتخابات الكنيست أخيرا، حول ماهية الخيار الأفضل بالنسبة لهم في هذه اللحظة السياسية الحرجة، أو قل التنسيب بمن هو أقل ضرراً، بنيامين نتنياهو أم بيني غانتس، المرشحيْن لتأليف الحكومة الإسرائيلية، لا سيما للجماهير العربية التي اقترعت بكثافةٍ نسيبةٍ لافتةٍ في هذه الدورة، من أجل تعزيز مكانة ممثليها في الخريطة السياسية، وتحقيق مطلبها بالمساواة، فضلاً عن تعظيم فاعلية الدفاع عن القضية الوطنية.
ومع أنه لم يتسرّب الكثير مما جرى من نقاشٍ أحسب أنه كان جاداً جداً، ومسؤولاً، بين مكونات القائمة المشتركة، عشية الاجتماعات السريعة لتزكية المرشح لتأليف الحكومة، فإن من المرجح أن جميع الأعضاء في الائتلاف الجبهوي كانوا متفقين على أن الفوارق السياسية ضئيلة للغاية، وهامشية كذلك، بين زعيم حزب الليكود اليميني وقائد حزب الجنرالات اليميني أيضاً، وأن القائمة العربية المصممة على منع عودة نتنياهو بكل ثمن، وقد خاضت حملتها تحت شعار "إسقاط نتنياهو" لن تمنح أصواتها المرجِحة في مسألة التكليف، وليس في موضوع التشكيل، هكذا مجاناً وبصورة أوتوماتيكية.
ومؤكدٌ أن أعضاء القائمة المشتركة، وهم في معظمهم ذوو خبرات متراكمة، ولديهم ما يكفي ويفيض من الوعي والحصافة والتجربة، قد حرصوا على تجنّب السقوط في وهدة الخلاف عند أول خطوة على الطريق الطويل، وعلى عدم الظهور بمظهر انقساميٍّ كريه من أول وهلة، ومن ثمّ استجرار غضب قواعدهم الشعبية مرة أخرى، لا سيما وأن وحدتهم في قائمة انتخابية مشتركة كفلت لهم فوزاً مستحقّاً، لم يحظوا بمثله قبل أشهر، حين خاضوا الانتخابات بقائمتين في دورة الكنيست السابقة.
وفي الظن، وهو قنطرة الوصول إلى اليقين دائماً، أن الأسئلة التي طرحها أعضاء القائمة العربية على أنفسهم، خلال النقاش وراء أبواب مغلقة، كانت تتعلق بكيفية المزاوجة بين المحظورات التاريخية المؤسَسَة على قيم ومبادئ ومواقف وثوابت غير قابلة للكسر، ومانعة للأسرلة بالضرورة، وبين شروط اللعبة السياسية السائدة وإكراهاتها المريرة، بما في ذلك رفع مكانة العرب وزيادة تأثيرهم، وقبل ذلك إسقاط العنصري المحرّض نتنياهو، وهو أمر مهم في حد ذاته، إلا أنه غير قابل للتحقق من دون التقاطع الظرفي مع خصومه اللدودين من المعسكر اليميني نفسه.
وبالمحصلة الأولية، يمكن القول إن أهل مكة كانوا، مرة أخرى، أدرى بشعابها المعقدة، لا سيما من أولئك الذين أقحموا أنفسهم بفظاظةٍ وجهالةٍ (فصائل غزة مثلاً) في دهاليز حالة خاصةٍ لا شبيه لها، حالةٍ درجت فيها قيادات مجرّبة في سلسلة من المعارك الطاحنة، على معالجة شؤونها الذاتية وشجونها بكفاءة واقتدار مشهوديْن، وعمدت فوق ذلك إلى اجتراح الحلول الابتكارية الملائمة، تماماً كما كانت عليه "الكتلة المانعة" في عهد إسحق رابين، أو حتى في بناء هذا التحالف الانتخابي الوازن، القادر، في كل الأحوال، على تمكين الأحزاب العربية من اجتياز نسبة الحسم.
وأحسب أن الاعتبارات المبدئية والأخلاقية، إلى جانب المقتضيات السياسية الحاكمة، كانت حاضرةً بقوة في النقاش بين الثلاثة عشر عضواً، وأعتقد أنه لم تغب عن بال أي منهم إشكالية التوصية بالجنرال الذي تفاخر يوماً بأنه أكثر من قتل وأجرم بحق الغزّيين، حتى وإن كان خصمه هو نتنياهو بشحمه وعظمه، وخصوصا أن بيني غانتس لم يتعهد بتلبية أيٍّ من مطالب المجتمع العربي الفلسطيني، بل أظهر تفضيله التحالف مع الليكود على تسجيل سابقة الاعتماد على الأصوات العربية لتشكيل حكومة لن تكون أقل يمينية من سابقتها، فلماذا إذاً حمل وزر هذا الموقف المعيب وطنياً؟
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي