بين اللعب والجد

04 ديسمبر 2017
اللعب من وجهة نظر طفل (برادلي كناريز/ Getty)
+ الخط -
الفصل بين اللعب والجد قديم، حاله حال الفصل بين الجسد والروح، والمبنى والمعنى إذا ما صحَّت الاستعارة من قواعد اللغة نموذجاً للمقارنة.

يقال لأحدٍ ما "إنه يلعب"، ويأتي كلام على هذا النحو في مورد الطعن بقيمة ما يقوم به. إنه يلعب، أي أنه ينجز أمراً بلا قيمةٍ ولا أثر. لكن اللعب ليس النقيض اليتيم لمعاني الجِدّ والرصانة والوقار والهيبة. حينما يُمَّحى الحقيقيّ من عالم اللعب، يغدو الأخير هيكلاً فارغاً وشأناً عديم النفع وخالياً من القيمة.

لمَ لا يُنظر إلى اللعب على أنه مضمار سخي للمنافسة والتميز. بذلك يكون عامل حض وتشجيع على تقديم أفضل ما لدى المرء. ورأيٌ كهذا لا ينبغي النظر إليه موجهاً فقط إلى "عالم الألعاب"، حسبما قد توحي به العبارة للوهلة الأولى. فنظام اللعب يسمح بالمصادفة كما يسمح بالخطأ غير المقصود، وهذا أفضل من دون شك إذا قسناه بنظام الجدية الحديدية التي لا تتسامح مع الخطأ ولا تولي المصادفة اعتباراً.

الآلية التي حسبها يُساق العالم اليوم تأخذ بعين الاعتبار قيم المنفعة وحسب، وهي بذلك تفترض أن اللعب يهدم ذلك الاعتبار، فيجري نفيُ اللعب إلى أرض خارج أفق التفكير الذي بدأ يضيق على نحو خانق، فالمنفعة، ربما، تخنق روح المبادرة قبل أن تلمع فكرةٌ برأس المرء، كما أنها لا تترك مجالاً لأي عمل بدون مقابل، وهي بذلك تقود اللعب إلى حتفه.

يمكن النظر إلى اللعب من خلال ما يقوم به طفل، ذلك أنه لم يدخل بعد مرحلة التمييز الحقيقية ولا يمتلك قدرة الفصل التجريدية بين اللعب والجد، بين العمل المثمر والتسلية.

في الحقيقة إنّ الطفل يتعامل مع محيطه من دون أي خبرة سابقة، وغياب هذه الخبرة والممارسة هو نفسه ما نقول عنه "البراءة".

قوة الطفل تأتي تماماً من هذه النقطة ضئيلة الشأن، فهي لا تفكر في الأثر الذي يلي اللعب، قدر ما تفكر في اللعب ذاته كعمل أصلي وحقيقي وبالغ الجدية، فتكون طاقتها الطفولية كاملةً منصرفةً إلى اللعب لا غير، وهنا يحدث ما لا نلاحظه عادة، فكيان الطفل الكلي في توجّهه إلى اللعب لا غير إنما يغرق في عمل مميز وبلا نظير. عالم الكبار، على اعتبار إن الحقيقة والجدية والرصانة من شؤون الكبار لا الصغار، حسب ما هو شائع وبديهي، لا يمتلك تلك الميزة، ميزة الغرق الصافي الكلي. وعلى عكس ما نعتقد عادة، يكون الطفل، حسب نظام المنفعة الآلي، أكثر قدرة على تقديم نتائج أفضل من الكبار، فاللعب والبراءة يمدّانه بما هو خارق، في حين نحسب أن ما يقوم به ربما لا يقود إلى غير الضحك.
دلالات
المساهمون