قبل نحو خمسة عشر عاماً لم أكن أمتلك هاتفاً محمولاً. لم تكن التقنية منتشرة بالقدر الذي باتت عليه اليوم. كنا نجري الاتصالات عبر الهاتف الأرضي، والذي كان محدود المدى وعالي التكلفة، كما أن الخدمة لم تكن في أحسن حالاتها.
على الرغم من صعوبة الأمر كنا نتواصل مع الأهل والأصدقاء وأرباب العمل المنتظر، وحتى مع حبيباتنا؛ كان التواصل صعباً، لكنه كان قائماً. أذكر فرحتي بالقدرة على الاتصال بصديق أو قريب في بلد آخر، أو سماع صوت أحد أفراد عائلتي عن بعد، فالاتصال بين البشر غريزة لا يمكن تجاهلها.
قبل هذا التاريخ بخمسة عشر عاماً أخرى، كانت خدمة الهاتف الأرضي محصورة في عدد محدود من معارفي. كنت وقتها، وكذا أفراد عائلتي، نتواصل عبر رسائل البريد. كانت مهمة شاقة تستلزم ضرورة الكتابة والذهاب إلى مكتب البريد ودفع الرسوم، كما أن التواصل البريدي كان بطيئاً، وأحياناً تضيع الرسائل ولا تصل أبداً.
أذكر، جيداً، في طفولتي عندما كان والدي يؤدي فريضة الحج أول مرة، وكان ذلك في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أن جاء عمي إلى منزلنا بجهاز كاسيت، وطلب منّا أن نسجّل بصوتنا رسائل إلى الوالد، حيث أرسل هذا الشريط المسجّل بريدياً.
كانت تلك، وقتها، طفرة كبيرة بالنسبة إلينا، فنحن لن نكتب، وإنما سيسمع الوالد صوتنا عبر الشريط، وسنقول ما نشاء، طالما أننا لا نتجاوز الوقت المحدد للشريط.
على الرغم من كل هذه الصعوبات، كان الناس يتواصلون مع بعضهم بعضاً، يرسلون، يومياً، مئات آلاف رسائل التحية والطمأنة والأشواق والغرام. بعض الرسائل البريدية كانت قطعاً أدبية خالصة، وبعضها تحوّل إلى كتب وأجريت عليها دراسات، وبعضها الآخر دخل التاريخ وبات مكانه المتاحف، أو بيع في مزادات بمبالغ فلكية.
قبل ظهور البريد، كان البشر يستعملون وسائل أخرى، بينها الحمام الزاجل، وقبله إرسال الرسائل مع قوافل التجارة، بخلاف الانتقال إلى مكان الشخص الذي يودون التواصل معه.
بمقارنة هذه الأمور التي بات بعضها من التاريخ الآن، مع الوضع القائم حالياً، فإن وسائل الاتصال شهدت طفرة كبيرة وباتت في متناول اليد، ولا تحتاج إلى جهد أو وقت أو تكلّف كثيراً من المال.
لكن تطوّر وسائل الاتصال، واستمراره، لم ينتج عنه تطور مماثل في عملية التواصل التي ظهرت من أجلها الوسائل.
الواقع أن وسائل الاتصال تطورت، بينما تدهور التواصل، وفي حين باتت إمكانية الاتصال بالأشخاص يسيرة، أيّاً كان مكانهم وفي كل الأوقات والظروف، لم ينعكس ذلك كثيراً على غريزة التواصل بين البشر. بل يمكن الزعم أن التواصل بات أقل حميمية مما كان عليه سابقاً.
إقرأ أيضاً: منطق الأمور
على الرغم من صعوبة الأمر كنا نتواصل مع الأهل والأصدقاء وأرباب العمل المنتظر، وحتى مع حبيباتنا؛ كان التواصل صعباً، لكنه كان قائماً. أذكر فرحتي بالقدرة على الاتصال بصديق أو قريب في بلد آخر، أو سماع صوت أحد أفراد عائلتي عن بعد، فالاتصال بين البشر غريزة لا يمكن تجاهلها.
قبل هذا التاريخ بخمسة عشر عاماً أخرى، كانت خدمة الهاتف الأرضي محصورة في عدد محدود من معارفي. كنت وقتها، وكذا أفراد عائلتي، نتواصل عبر رسائل البريد. كانت مهمة شاقة تستلزم ضرورة الكتابة والذهاب إلى مكتب البريد ودفع الرسوم، كما أن التواصل البريدي كان بطيئاً، وأحياناً تضيع الرسائل ولا تصل أبداً.
أذكر، جيداً، في طفولتي عندما كان والدي يؤدي فريضة الحج أول مرة، وكان ذلك في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أن جاء عمي إلى منزلنا بجهاز كاسيت، وطلب منّا أن نسجّل بصوتنا رسائل إلى الوالد، حيث أرسل هذا الشريط المسجّل بريدياً.
كانت تلك، وقتها، طفرة كبيرة بالنسبة إلينا، فنحن لن نكتب، وإنما سيسمع الوالد صوتنا عبر الشريط، وسنقول ما نشاء، طالما أننا لا نتجاوز الوقت المحدد للشريط.
على الرغم من كل هذه الصعوبات، كان الناس يتواصلون مع بعضهم بعضاً، يرسلون، يومياً، مئات آلاف رسائل التحية والطمأنة والأشواق والغرام. بعض الرسائل البريدية كانت قطعاً أدبية خالصة، وبعضها تحوّل إلى كتب وأجريت عليها دراسات، وبعضها الآخر دخل التاريخ وبات مكانه المتاحف، أو بيع في مزادات بمبالغ فلكية.
قبل ظهور البريد، كان البشر يستعملون وسائل أخرى، بينها الحمام الزاجل، وقبله إرسال الرسائل مع قوافل التجارة، بخلاف الانتقال إلى مكان الشخص الذي يودون التواصل معه.
بمقارنة هذه الأمور التي بات بعضها من التاريخ الآن، مع الوضع القائم حالياً، فإن وسائل الاتصال شهدت طفرة كبيرة وباتت في متناول اليد، ولا تحتاج إلى جهد أو وقت أو تكلّف كثيراً من المال.
لكن تطوّر وسائل الاتصال، واستمراره، لم ينتج عنه تطور مماثل في عملية التواصل التي ظهرت من أجلها الوسائل.
الواقع أن وسائل الاتصال تطورت، بينما تدهور التواصل، وفي حين باتت إمكانية الاتصال بالأشخاص يسيرة، أيّاً كان مكانهم وفي كل الأوقات والظروف، لم ينعكس ذلك كثيراً على غريزة التواصل بين البشر. بل يمكن الزعم أن التواصل بات أقل حميمية مما كان عليه سابقاً.
إقرأ أيضاً: منطق الأمور