في الوقت الذي يشهد فيه لبنان انهياراً اقتصادياً ومالياً متزامناً مع جائحة كورونا، يتعرّض لصدمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، بعد انفجار مرفأ بيروت الذي خلّف مئات القتلى والجرحى، ودمّر مئات المنازل ومقار شركات ومؤسسات حكومية وطرق وغيرها، ووُصف بأنه "بيروتشيما" فيما يشبه الدمار الذي لحق بمدينة هيروشيما اليابانية.
دمار واسع وتكلفة كبيرة
في هذا السياق، يقول المدير العام للمركز الكويتي للدراسات الاستراتيجية، عبد الله الهاجري، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن لبنان يحتاج إلى نحو 16 مليار دولار لإعادة إعمار ما خلّفه انفجار بيروت من تدمير كلي وجزئي لمنشآت حيوية وسكنية وإعادة ترميم الملاحة البحرية، بالإضافة إلى خسائر أخرى.
وأضاف الهاجري أن المساعدات المالية الخارجية، وخاصة من دول الخليج، تعتبر حالياً القشّة الوحيدة التي يتعلَّق بها لبنان ويعوِّل عليها لتسحبه إلى برّ الأمان وتنقذه من الإفلاس وليس التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه بالفعل حالياً.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتّسم بتراجع غير مسبوق لقيمة عملته أدّى إلى إغراق نصف الشعب في الفقر.
وتسبب الانهيار الاقتصادي الذي أدّى إلى تسريح أعداد هائلة من الموظفين وارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات الضرورية، ما دفع إلى ارتفاعات تاريخية في التضخم.
عزوف خليجي
شهد لبنان منذ خريف 2019 انتفاضة شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يُنظر إليها على أنّها فاسدة وعاجزة عن وضع حدّ للأزمة الاقتصادية الحادة.
ويرى الباحث في الشؤون الاقتصادية العربية، علام خليفة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الخليج لن يموّل لبنان مالياً بشكل كافٍ في الوقت الراهن، إذ ستقتصر المساعدات على الأمور الطبية والصحية، أما ما يتعلق بإعادة الأعمار فستكون دول مجلس التعاون، وفي مقدمتها السعودية، عازفة عن مدّ يد العون، وذلك بسبب تمادي حزب الله في فرض حكومة تخدم أجندات طهران قبل الشعب اللبناني"، على حدّ تعبيره.
وكان رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، الذي بدأت حكومته عملها مطلع العام، قد وعد أن تكون أولى رحلاته الخارجية إلى منطقة الخليج بحثاً عن الدعم المالي.
ومن جانبه، أكد خليفة أن دول الخليج، وخصوصاً السعودية، لن تدعم لبنان وتموّله مالياً إلا بعد الموافقة على قائمة من الشروط، أولها تحجيم نفوذ حزب الله وصولاً إلى اتِّخاذ العديد من الإجراءات التقشُّفية التي ستُخرج مزيداً من المواطنين المستائين إلى الشوارع، وهي خيارات أحلاها مرّ.
وأشار خليفة إلى صعوبة حصول بيروت على المساعدات الأجنبية، لا سيَّما الخليجية منها في الوقت الراهن، وذلك بسبب المرحلة الحالية التي تعتبر أخطر من ذي قبل، وذلك في ظلّ سيناريو الانهيار التاريخي لأسعار النفط، فالكساد يضرب دول الخليج التي عادة ما تتولَّى مهمة دعم لبنان مالياً في مثل هذه الأزمات.
وفقدت الليرة اللبنانية نحو 80% من قيمتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما أدخل البلد في أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها منذ عقود. وفي السوق الموازية، قفز سعر الدولار إلى مستويات كبيرة تجاوزت 8000 ليرة أمس.
وثبّت مصرف لبنان المركزي سعر صرف الدولار عند 1507.5 ليرات، فيما لا يطبق هذا السعر إلا لواردات الوقود والأدوية والقمح.
صعوبة البدائل
كانت دول الخليج، لا سيما السعودية، في السابق تنتهج شروطاً لمساعدة لبنان أكثر أريحية وأقل حزماً من حزم المساعدات الدولية والغربية، إلا أن الأمور تغيّرت، ما دفع مراقبين إلى توجيه النصيحة للحكومة اللبنانية بالبحث عن بدائل أخرى.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي الكويتي، ناصر الحمد، أن على بيروت الطلب من مسانديها المساعدة في حل مشاكلها الاقتصادية سريعاً، بدلاً من انتظار دول الخليج التي تعاني أزمة اقتصادية وعجوزات مالية غير مسبوقة.
وأضاف الحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الموقف الأميركي لن يختلف عن الخليجي، إذ إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ما زالت تضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار الولاء حتى تقرر ما إذا كانت تستحق الإفراج عن أي مساعدات دولية أم لا.
وكان لبنان يعوّل كثيراً على صندوق النقد الدولي لمده بقروض تساهم في الحد من أزمته الاقتصادية، ولكن اعترضت المفاوضات عقبات عديدة أدت إلى تجميدها. وقال وزير المالية اللبناني غازي وزني، في تصريحات صحافية يوم الجمعة الماضي، إن محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي جُمدت، في انتظار بدء إصلاحات اقتصادية والاتفاق لبنانياً على مقاربة موحّدة لحساب الخسائر. وأضاف وزني أنّه سيظل على اتصال مع صندوق النقد الدولي لحين استئناف المحادثات مع لبنان.
كذلك قال إن "ما يُعمل عليه اليوم هو تحديد الخسائر وحجمها بكل القطاعات"، مضيفاً: "علينا الخروج بمقاربة موحدة متّفق عليها مع كافة القوى السياسية وبالتنسيق بين الحكومة ومجلس النواب... يجب أن نتفق بأسرع ما يمكن".
وبدأ لبنان محادثات مع الصندوق في مايو/ أيار، على أمل تدبير مساعدة لمعالجة الأزمة المالية التي تُعتبر أكبر تهديد للبلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وكان وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة قد توقّع الحصول على مبلغ يتراوح بين 5 مليارات و9 مليارات دولار قروضاً من صندوق النقد، بحسب تصريحات له في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي.
وبعد أكثر من أربعة أشهر من التخلف عن سداد سندات اليوروبوندز للمرة الأولى، استسلم لبنان لأسوأ أزماته الاقتصادية، إذ دمرت عقود من الفساد وسوء الإدارة أمواله. ولا تخطط السلطات أيضاً لإدخال تغيير جديد على سياسة النقد الأجنبي في لبنان دون خطة إنقاذ.
وكانت السلطات اللبنانية قد أوقفت نقيب الصرافين محمود مراد ودين، ومدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان، بجرم "التلاعب بالعملة الوطنية". كذلك تم توقيف عدد من الصرافين والمصرفيين بشبهة التلاعب بسعر الصرف للمضاربة.
وأعربت دول عديدة عن تضامنها مع لبنان، وقدمت تعازيها لأهالي الضحايا، معلنة استعدادها للمساعدة، بعد الانفجار الضخم المزدوج الذي وقع في مرفأ بيروت، الثلاثاء، وأدى إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف.
وأجرى أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، اتصالاً مع الرئيس اللبناني، ميشال عون، وعبّر عن وقوف بلاده إلى جانب لبنان واستعداده "لتقديم الدعم الفوري، إثر الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت".
وقال ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، على تويتر: "نقف مع الشعب اللبناني الشقيق في هذه الظروف الصعبة ونؤكد تضامننا معه، ونسأل الله تعالى أن يخفف عنهم ويلطف بهم وأن يرحم موتاهم ويشفي جرحاهم، اللهم احفظ لبنان وشعبه من كل مكروه".
وكان رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، قد طالب الدول الصديقة والشقيقة بالمساعدة، قائلاً: "في هذه اللحظة أتوجه بنداء عاجل إلى كل الدول الشقيقة التي تحب لبنان أن تقف إلى جواره وأن تساعدنا على بلسمة جراحنا العميقة".