بيدرو ألمودوفار... رجلٌ محاط بسير النساء

07 أكتوبر 2016
أخرج ألمودوفار فيلم "عناق متكسر"(أوسكار غونزاليز/ Getty)
+ الخط -
في الشريط الذي عرضته قناة "آرتي" (الفرنسية - الألمانية) عن المخرج الإسباني، بيدرو ألمودوفار، ثمة محاولة توثيقية في اكتشاف السينمائي المُحاط بسير النساء. عنونت القناة الشريط بـ "ألمودوفار: كل شيء عن النساء"، وهو عنوان لا يخلو من التباساته الهوياتية التي تساءل عنها المخرج في معظم تجربته السينمائية.

لا بدّ من فهم واضح للمهمّة الشاقة، التي تكبّدها صانع "خولييتا" (2016) في تركيب شخصياته، وتناول مخاضاتها المريرة. تتدبَّر الشخصيّات أمورها على غفلة، وتفكك تشظيها الاجتماعي، وانكساراتها كنماذج نضال. حفظ بيدرو الشخصيات، في أشرطة ما زالت صالحة منذ 30 عاماً للعرض. وفي سيرة 40 عاماً مع السينما، يواجه ألمودوفار أسئلته نفسها عن الخيبة والألم والهويات الجنسية. وبأدوار ملهمة لنساء ما كُنّ سيحييْن بهذا الحضور، لولا تأّثره بأمه، فرانسيسكا كابالير، المولودة في عام 1916. كابالير امرأة استثنائية، مكنته من كسب جولاته كلها، أمام جيرانه وأولاد حارته القساة الذين تنبهوا إلى مثليّته، ومن بعدها في مواجهة العالم كله.
حضرت فرانسيسكا في أعماله، ومثّلت في أدوار ألهمت معها ممثلات برزن في أفلامه، من فيكتوريا أبريل وروسي دو بالما وبيبيانا فرنانديز وكارمن مورا وإيما سواريز وأدريانا أوغارتي وبينيلوبي كروز. تحدثت بعضهن في الوثائقي عن الرجل الذي بسط أمامهن سيناريوهات غير متوقعة ومؤلمة في آن واحد.
صنع ألمودوفار مدرسة سينمائيّة خاصّة به، لها وجدانها الحي وحكاياتها وألوانها الفجّة ولقطاتها المتشابهة، والتي تكاد تتكرر في كل أعماله. وسخّرها جميعاً من أجل دراما نسويّة، وهذا ما يسعى إليه الوثائقي، على حد تعبيره.

تسعى أعماله إلى إبراز كل ما هو أنثوي، حتى قضايا المتحوّلين جنسياً ( المتحوّلين من رجال إلى نساء تحديداً) كان لهن حضورهنّ في سرديات نسوية، تقارب نظرتهن إلى العالم، ومواجهتهن للذكورية. وبعناية لا تخلو من الجنون والكوميديا والسواد، يلاحق بيدرو مشاعر النسوة وانطباعاتهن وخضاتهنّ النفسية. يقول بيدرو أنه صوّر أفلامه مع نساء: "لأني ترعرت في بيئة نسائية في سنوات ما بعد الحرب الصعبة. وكانت النساء أكثر سعادة ويعملن كثيراً ويتحدثن طوال الوقت. وأثرن كثيراً في شخصيتي".

وفي إحدى مقابلاته مع "يورو نيورز"، يقول بيدرو إنه "ليس من الضروري الذهاب إلى الجامعة لمعرفة المرأة. يكفي أن نمتلك عينين وأذنين وبعض الفضول. على أية حال، أعتقد أن حساسيتي تجاه العالم الأنثوي، تُفسّر بأنني تربيت مع نساء. وبالطبع مع والدتي التي لم تكن تملك المال، وهذا بعد الحرب. كان الأولاد يتبعون أمهاتهم حيثما يذهبْن، وإن لم نكن معهنّ كنا نُترَك مع الجارات".

عاش بيدرو منذ طفولته في مجتمع أمومي. ولد في قرية معزولة، وسط إسبانيا، عام 1949، ترزح تحت دكتاتورية فرانكو. هناك، بدأ يكتشف دور أمه الرئيسي في العائلة مع غياب الأب وفي أيام الشح والفقر التي كان على فرانسيسكا أن تحتال عليها. كانت أعماله تدور حول شخصية أمه. يقول، في إحدى مقابلاته، إنه حاول في فيلم "فولفار" (2006) "إخراج أمه من الظلمة. وأن تكون معه مرة أخرى"، خصوصاً أن الفيلم جاء بعد رحيلها، وبعد عودته إلى القرية نفسها، وساحات الطفولة والجيران، وذلك بعد أن شغلته مدريد وعوالمها السفلية، التي صنع نجوميته فيها، وسط أجواء التحرر لما بعد سقوط الديكتاتورية.
المساهمون