إضافة إلى كونه روائياً، كان الكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز صحافياً، ولم يكن نادراً التفات الدراسات إلى أثر الصحافة في نصوصه الأدبية، ليس فقط على مستوى الأسلوب، بل أيضاً في خيارات الأحداث والشخصيات والمواضيع.
المراوحة بين الصحافة ومجال إبداعي آخر هي من أبرز ما يمكن التقاطه عند مواطنة ماركيز؛ الفنانة التشكيلية بياتريس غونساليس (1938)، فمن خصائص فنّها أنه يقوم بنقل الأثر الصحافي إلى فضاء الفن التشكيلي. وكما أن الصحافة ليست غريبة عن النصوص، فلها صلات وثيقة بكل ما هو بصري.
في "متحف الملكة صوفيا"، في مدريد، تحضر أعمال التشكيلية الكولومبية حتى أيلول/ سبتمبر المقبل في استعادة شاملة لمشوارها الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي. تتابُع الأعمال يضيء لحظات كثيرة من تاريخ كولومبيا المعاصر. هي ليست بالضرورة لحظات سياسية، إذ تقع في منطقة أوسع؛ إنها تلتقط المزاج الشعبي وتفاعله مع كل ما يعيشه، فهو مرة يميل إلى الحياة الهادئة والعيش بطمأنينة، وفي فترات أخرى تجده وقد اندفع إلى العنف والتقتيل.
ربما وجدت غونزاليس أن الصحافة تعكس بقلب بارد جميع هذه المتناقضات. من هناك تبدأ عملية تجميع مادتها، ولكنها تستلمها كخامة تنبغي إعادة إنتاجها، فتضخّها بعناصر بصرية مختلفة، فولكلورية الطابع أو منتقاة من تاريخ الفن، وقد يكون بعضها أدوات حديثة لتقترب من روح "البوب آرت" من دون أن تسقط فيه.
من هنا، تبدأ في تلاعبها بالعناصر، ومنها وجوه السياسيين وبروتوكولاتهم، أو تعيد تشكيل فضاءات عامة، أو تُراجع قصّة أو مرحلة تاريخية، لكن برؤية (وألوان) مختلفة. في كل ذلك، تؤكّد الفنّانة الكولومبية وظيفة أساسية يلعبها الفن، وهي القدرة على الاستلهام من كل شيء، بما في ذلك ما هو مستهلَك، مرموزاً إليه بمواد الصحف.
من أطرف ما تقدّمه غونزاليس حضور وجوه السياسيّين بكثرة في لوحاتها، هي بذلك تستعيد دوراً كان يشغله الفنّانون برسم الملوك والأمراء، ويشغله بدلهم اليوم الفوتوغرافيون وهم يتابعون أهل النفوذ في كل مكان. تقف غونزاليس بين هؤلاء، ولكن في زاوية أخرى للنظر، حتى يمكن القول إنها "رسّام بلاط مضاد".
على مستوى المحامل والخامات، تُقدّم الفنانة الكولومبية تنويعاً لافتاً، فإلى جانب اللوحة نجد أعمالاً كثيرة منجزة على أغراض الحياة اليومية مثل الستائر والأسرّة. هنا تظهر لعبتها أكثر، فمواضيع الناس لا ينبغي لها أن تكون أسيرة فضاء نخبوي مثل اللوحة، إنها معهم وبينهم. كما أن التاريخ لا ينبغي أن يكون مصيره الأخير مجموعة مقالات في الصحف... يمكنه أن يعود إلى الحياة من جديد في هيئة أعمال فنّية.