خمسة عشر عاماً قضاها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في موقعه عبر ثلاث فترات رئاسية، وسط ضغوط اقتصادية كبيرة تثير تساؤلات عدة حول جدوى إقدام الرجل، الذي أصاب السادسة بعد السبعين من العمر على الترشح لفترة رابعة مقررة في 17 أبريل/ نيسان المقبل، حسبما أعلن التلفزيون الجزائري أمس السبت.
أسابيع إذاً وتنشغل الجزائر، إلى ما تعانيه من احتجاجات واسعة، بالانتخابات الرئاسية، في ظل تأخر مؤشراتها التي لم تزكّها طوال السنوات الماضية أمام المؤسسات الدولية لرفعها من قائمة الدول النامية، رغم الاحتياطي النقدي الضخم الذي يزخر به بنكها المركزي، وثروات المحروقات الهائلة التي أتاحت لها تصدير نحو 14% من احتياجات أوروبا من الغاز سنوياً.
ولا يقبل محللون تعذّر المنتخبين لمواقع مسؤولة بالدولة على مدار الأعوام الثلاثة عشر الماضية، وعلى رأسهم بوتفليقة نفسه، بالوضع السياسي لتأخر الاقتصاد، فإذا كان الصراع الذي دار بين الجيش وجماعات مسلحة خلال تسعينيات القرن الماضي، في ما عرف باسم "العشرية السوداء"، قد طاول مؤشرات الاقتصاد الكلي بالأذى، فإن الألفية الثالثة لم تبدأ إلا وقد انتهت تلك الظاهرة، اللهم غير حوادث منفردة وعلى فترات متباعدة.
الاحتجاجات
لم يتخلف الجنوب، وهو منبع أساسي لثروات الغاز التي تزخر بها الجزائر، عن تنظيماته الاحتجاجية للمطالبة بفرص عمل، فيما يشن موظفون مؤقتون في الإدارة الجزائرية (البلديات)، مقدر عددهم بقرابة 900 ألف شخص، حركات احتجاجية متواصلة للمطالبة بإدماجهم في مناصب عمل دائمة، في وقت تردّ فيه الحكومة بأن الأمر غير ممكن لعدم وجود مناصب مالية جاهزة حالياً.
ولجأت الحكومة الجزائرية إلى استحداث وظائف مؤقتة في القطاع العام لامتصاص البطالة وسط الشباب بصفة خاصة. وتبلغ نسبة البطالة في الجزائر 10% لكنها تفوق 20% في أوساط الشباب، بحسب تقرير سابق لصندوق النقد الدولي.
كذلك يحتجّ الآلاف من عناصر الحرس البلدي (شرطة شعبية محلية)، البالغ عددهم نحو 94 ألف عنصر استعانت بهم الدولة سنة 1994 لمساعدة الجيش والشرطة في "مكافحة الارهاب" في القرى والمحافظات الداخلية.
الاعتماد على النفط
لم يخرج الاقتصاد الجزائري من تحت عباءة النفط طوال الخمسة عشر عاماً الماضية، إذ يمثل النفط نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي للجزائر، ويساهم النفط والغاز الطبيعي بنحو 98% من الصادرات، ويدرّ 70% من حجم الإيرادات العامة للموازنة.
ولم يتعدّ معدل النمو الذي حققته الجزائر بين 2000 و2013 ما يعادل 3.9% في المتوسط بحسب أرقام صندوق النقد الدولي.
ولا شك في أن تغيير هذا النمط من أداء الناتج المحلي الإجمالي لن يكون بين عشية وضحاها، ولكن لابد من الاتجاه لتعظيم دور الصناعات التحويلية، لتكون هناك قيمة مضافة للموارد الطبيعية للجزائر، وليس فقط مجرد تصدير هذه الموارد كمادة خام.
فاعتماد الناتج على النفط بهذه الصورة، أدى إلى مظاهر سلبية أخرى، منها مثلًا بقاء معدلات البطالة، وذلك لأن الاستثمارات في قطاع النفط، من طبيعتها أنها كثيفة استخدام رأس المال، وبالتالي قدرتها على خلق فرص عمل تتناسب مع معدلات الزيادة السكانية هناك، غير مجدية.
كما أن معدلات نمو هذا الناتج لا تتناسب وطبيعة معدلات الزيادة السكانية، ففي الوقت الذي يبلغ فيه معدل نمو الناتج نحو 3.3%، نجد أن معدل الزيادة السكانية بحدود 1.9%، وهو ما يعني أن الجزائر بحاجة إلى معدل نمو لا يقل عن 5.5% أو 6% سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
الاستثمار والتجارة
رغم تشريعات الجزائر خلال السنوات الماضية، التي تستهدف مواجهة الاستثمارات الأجنبية، التي قد يكون مردودها سلبياً على الاقتصاد الجزائري، مثل أن تكون حصة الشريك المحلي لا تقل عن 51 %، واستخدام ما هو متعارف عليه في مجال العقود من حق الشفعة، ووضع ضوابط لمواجهة التحويلات الفوضوية للعملات الأجنبية، بقيت الجزائر في مرتبة متأخرة حسبمؤشر الشفافية الدولي.
ووفق مراقبين، فإن ممارسات الفساد من شأنها أن تضعف من تفعيل هذه الإجراءات، حيث تشير بيانات منظمة الشفافية الدولية، إلى احتلال الجزائر لمرتبة متدنية في مؤشر الشفافية الدولية، المرتبة 94 من بين 177 دولة على مستوى العالم، وفق بيانات عام 2013.
وعلى مستوى التجارة العالمية، عقدت الجزائر منذ تقديمها طلب الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة في العام 1987 ما يعادل 11 جولة تفاوض لم تفض إلى قبول عضويتها.
وقالت الحكومة في نهاية العام الماضي 2013 إنها ستبدأ جولة المفاوضات الثانية عشرة مع منظمة التجارة العالمية للانضمام.
وتستورد الجزائر أغلب احتياجاتها من الخارج، نتيجة ضعف البنية التحتية التي لطالما عطلت مشروعات واستثمارات ضخمة أكثرها حكومية.
الاحتياطات الأجنبية
قفز احتياطي النقد الأجنبي الجزائري خلال السنوات العشر الأخيرة بمعدلات عالية، ففي عام 2004 كان الاحتياطي لدى الجزائر من النقد الأجنبي لا يزيد على 45 مليار دولار، ووصل في عام 2012 إلى 200 مليار دولار، قبل أن يتراجع إلى 196 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2013.
وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة عشرة بين الدول الأكثر امتلاكاً لاحتياطيات النقد الأجنبي.
ولصادرات الغاز الفضل الأكبر في هذا الاحتياطي الضخم، إذ تصدّر الجزائر سنوياً نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، يذهب معظمها إلى أوروبا، حيث تمد الجزائر أوروبا بنحو 14% من احتياجاتها من الغاز، عبر ثلاثة أنابيب هي "ترانسميد" الرابط بين الجزائر وإيطاليا (مروراً بتونس)، و"جي أم أو" بين الجزائر وإسبانيا (مروراً بالمغرب ومضيق جبل طارق)، و"مديغاز" الذي يربط مدينة الغزوات بآلميرية الإسبانية.
وتسعى الجزائر إلى رفع إنتاجها من الغاز، لكن الأرقام تحمل مؤشرات سلبية بشأن صادرات النفط والغاز الجزائري، بعدما أظهرت تراجعاً في قيمة صادرات المحروقات خلال العام الماضي 2013 بنحو 10.2% لتستقر عند 63.3 مليار دولار، مقابل 70.5 مليار دولار في العام السابق 2012.
وعزت بيانات للبنك المركزي تراجع قيمة الصادرات إلى تراجع حجمها بنحو 7.3% خلال 2013 مقارنة بالعام السابق عليه.
ويبدو أن الخلاف القائم بين الجزائر وإيطاليا، حول أسعار النفط، قلّص واردات الثانية من الغاز الجزائري، وهو ما تؤكده أرقام الاتحاد الدولي للغاز، والتي تُظهر أن واردات إيطاليا من الغاز الجزائري خلال عام 2012، تراجعت إلى 0.72 مليون طن، مقابل ارتفاع وارداتها من الغاز القطري في العام نفسه إلى 4.24 ملايين طن.
الأمية
بعد خمسة عشر عاماً حكمها بوتفليقة، لا يزال معدل الأمية في الجزائر مرتفعاً ليصل إلى 22.7% من السكان، للفئة العمرية 15 سنة فما فوق، من إجمالي عدد سكان بلغ 36.6 مليون نسمة.
ونتيجة لارتفاع معدل الأمية، احتلت الجزائر، ترتيباً متدّنياً في عام 2013 على مؤشر التنمية البشرية العالمي، حيث تحتل المرتبة 93 من بين 186 دولة على مستوى العالم.
ولا تتعدّى مخصصات التعليم في موازنة الجزائر على مدار العقد ونصف العقد الماضيين نحو 3.5% سنوياً من إجمالي الموازنة، ما يدعم استمرار الأمية أو على الأقل عدم محاربتها.
الأجور وارتفاع التضخم
تقول الحكومة إن معدلات التضخم تراجعت بنهاية العام الماضي إلى 3.3% مقابل 8.9% في نهاية العام 2012، ما أثار جدلاً في أوساط المتخصصين، إذ يشير بعضهم إلى أنها أقل كثيراً من الواقع.
وعرفت الجزائر بين 2011 و2012 زيادة حادة في معدل التضخم بلغت 8.9% نتيجة الزيادات في أجور العاملين في القطاع الحكومي بأثر رجعي من يناير/ كانون ثاني 2008.
وشملت الزيادات في أجور العاملين في قطاعات التعليم والصحة والعاملين في الشرطة والجيش والإعلام والثقافة، حيث تراوحت بين 30 و100% في بعض القطاعات.
ولم يرافق هذه الزيادات ارتفاع يذكر في إنتاجية القطاع الاقتصادي فضلاً عن التراجع القوي في مساهمة الصناعة الجزائرية في الناتج المحلي إلى 4.2% نهاية 2012.
ويبلغ عدد العاملين في الوظائف العامة بالجزائر 2.06 مليون عامل، في بلد لا يتعدى عدد سكانه 39.1 مليون نسمة.
ويعتبر التوظيف الحكومي في الجزائر أثقل عبء على الموازنة العامة للدولة، ولا تغطي الضرائب والرسوم العادية 50% من أجور العاملين في القطاع العام، في بلد تمثل المحروقات 98% من صادراته.