عرفت بلاد العرب مظاهر ترويج متماثلة لحكام جدد بشرنا المروجون لهم كذباً، بأنهم سيغيرون وجه الحياة إلى الأفضل، وسينقلون البلاد والعباد من عقود طويلة من الاستبداد والفساد إلى المستقبل، ثم لم نلبث أن اكتشفنا أن الحاكم الجديد ليس إلا نسخة أسوأ من سابقيه.
تكرّر هذا مع بشار الأسد في سورية، ولم يكتمل مع جمال مبارك في مصر، لكنه ينطبق حالياً بالكلية على ولي عهد السعودية محمد بن سلمان الذي وصفه فريق الترويج بأنه سيجدد وجه البلاد المتأخرة في مناح عدة عن كثير مما يعرفه العالم، خصوصاً في مجالات الحقوق والحريات.
لكن، وعلى غرار بشار الأسد، فإن الأمير الشاب الذي لا يمتلك من مقومات الحكم إلا كونه ابن الملك، أوقع البلاد في مشكلات ضخمة لم تشهدها في تاريخها القصير، رغم أنه لم يحكم رسمياً بعد.
ذكرتني أفعال بن سلمان بمقال ورد في مذكرات الإمام محمد عبده (1849- 1905)، رداً على إعلان الخديوي عباس حلمي الثاني الاحتفال بمرور مائة عام على حكم أسرته لمصر.
كتب الإمام: "كانت البلاد تنتظر أن يشرق نور مدنية يضيء لأهلها طرقهم في سيرهم لبلوغ آمالهم، أو كانت تنتظر أن يأتي أمير عالم بصير فيضم العناصر الحية بعضها إلى بعض، ويؤلف منها أمة تحكمها حكومة منها. فما الذي صنعه؟ لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت، وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة أنفس بعض أفرادها، فلم يبق في البلاد رأساً يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه، أو نفاه".
وأضاف: "أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى. حتى انحط الكرام وساد اللئام، ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال بأية طريقة وعلى أي وجه، فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفسي لتصير البلاد جميعها إقطاعاً واحداً له، على أثر إقطاعات كثيرة كانت لأمراء عدة".
وسأل محمد عبده: "هل فكر في بناء التربية على قاعدة من الدين أو الأدب؟ هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأياً في الحكومة؟ هل توجهت نفسه لوضع حكومة قانونية منظمة يقام بها الشرع ويستقر العدل؟".
ولم ينس التعريج على شيوخ السلطان، فقال عن خضوعهم للحاكم: "وقصارى أمره في الدين أنه كان يستميل بعض العلماء بالخُلَعْ، أو إجلاسهم على الموائد؛ لينفي من يريد منهم إذا اقتضت الحال ذلك، وأفاضل العلماء كانوا عليه في سخط ماتوا عليه".
ولا يمكننا في هذا المقام تجاهل المصير الذي انتهى إليه الخديوي عباس، إذ عزله الاحتلال الإنكليزي من الحكم في 19 ديسمبر/كانون الأول 1914، ليكون آخر خديوي لمصر والسودان.
فهل سيكون هذا نفس مصير محمد بن سلمان؟