بنكيران يعود بقوة

09 اغسطس 2017

بنكيران.. استقلالية القرار الحزبي في المغرب (11/3/2017/الأناضول)

+ الخط -
تكشف الإطلالات الجديدة لزعيم حزب العدالة والتنمية المغربي، عبد الإله بنكيران، أنه تجاوز صدمة إبعاده من رئاسة الحكومة بعد خمسة أشهر من تعطيل مهمته في العثور على أغلبية حكومية، وأبعد عن رأسه فكرة الاعتزال السياسي، ولزوم البيت، بل أكثر من هذا، يقدّم بنكيران اليوم عرضاً سياسياً جديداً لمواصلة مشروعه الإصلاحي، بعد أن فشل العرض السياسي الأول الذي كان قائما على أربع ركائز: كسب ثقة القصر، والتعاون مع الجالس على العرش بدون قيد أو شرط، الاشتغال ضمن الدستور القائم، ولو بتأويل غير ديمقراطي للوثيقة الأسمى في البلاد، وضع الحزب في خدمة الدولة ولو على حساب استقلالية القرار الحزبي، الرهان على صندوق الاقتراع لتقوية حضور الحزب في البرلمان والحكومة، ومن ثم المرور التدريجي من الإصلاحات الصغيرة إلى الإصلاحات المهيكلة للدولة... امتد هذا العرض من 2011 إلى مارس/ آذار2017 تاريخ إعفاء الملك محمد السادس بنكيران من رئاسة الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفاً له. لم يكن هذا الحدث نهاية بنكيران فقط، بل كان نهاية لمشروعه الذي فشل في وضع عربة البلاد على سكة التحول الديمقراطي، كما فشل قبل ذلك عبد الرحمن اليوسفي.
يعود بنكيران اليوم إلى واجهة المسرح بعرض سياسي جديد، قائم على مرتكزات أولية، يمكن تلمسها من بين كلماته ورسائله أخيرا:
أولها، الرجوع إلى مطلب تعديل الدستور الذي اشتغل في ظله رئيس حكومة خمس سنوات، ووقف ليس فقط على طبيعة نصه الملتبس ومتداخل الصلاحيات، بل وكذلك على شكل تطبيقه، حيث امتص التأويل الرئاسي أي طابع برلماني لهذه الوثيقة التي شكلت تعاقدًا سياسيًا أبرم في زمن الربيع الديمقراطي. ولهذا، قال بنكيران، بأسلوبه الخاص في مدينة فاس: إذا اقتضى الأمر مراجعة الدستور فلنفعل، حتى نعرف من المسؤول عن ماذا. وهذا كلام يكشف خطة بنكيران للرجوع إلى فكرة التعاقد المكتوب عِوَض الشفوي.
ثاني عناصر العرض السياسي الجديد لبنكيران قائمٌ على احترام الدولة الكامل استقلالية القرار الحزبي، وحرية المؤسسة الحزبية في تحالفاتها واختياراتها وتدبير شؤونها وصعود نخبها ونزولها. ولهذا شبّه بنكيران الأحزاب الفاقدة استقلاليتها بالعبيد، واستغل فرصة الوقوف في منصة ملتقى شبيبة "العدالة والتنمية"، ليعتذر لحزب الاستقلال، لأن بنكيران تخلى عنه في مشاورات تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه الحزب الأقرب إلى المصباح (العدالة والتنمية). وبذلك، يحاول بنكيران إصلاح أخطائه القديمة التي فتحت المجال للتحكّم في كل الأحزاب.
ثالث عنصر في مشروع بنكيران هو عدم التساهل مع (الدولة العميقة)، ومع ظاهرة ازدواجية السلطة التي كان ينتقدها، لكنه كان يتعايش معها عندما كان في رئاسة الحكومة. لسان حاله الآن يقول: لا سلام ولا استسلام مع هذه العفاريت التي تضرب وتختفي تحت الأرض.
العنصر الرابع في العرض السياسي الجديد هو احتلال الشعب المكانة المركزية في تحديد من يحكم وكيف يحكم. يدعو بنكيران اليوم دعوة صريحة إلى الاحتكام إلى الشعب، وإلى قيم النزاهة والاستقامة لتخليق العمل السياسي. ليس هذا الأمر جديداً عند بنكيران، لكن ترتيب أولياته هو الجديد. كان بنكيران دائما يضرب حساباً أكبر للدولة مقارنة مع الشعب، وحاول أن يرضي الاثنين، لكن المفارقة أن الدولة التي خدمها تخلت عنه، وأرهقت فئات من الشعب بسبب قرارات صعبة، اتخذها أيام كان رئيسا للحكومة، فيما هذا الشعب هو الذي تمسك به.
خامس نقطة في الدفتر الجديد لبنكيران هي التشبث بالملكية، ودور الملك في الإصلاحات الكبيرة للدولة، لكن ما تغير عنده، بعد تجربة قاسية، كان فيها أمام فوهة المدفع، منسوب الصراحة في التعاطي مع العرش، حيث قال لمنتسبين في حزبه في الرباط إن انتقاد سياسات الملك ليس مسألة محرمة، ولكن بأدب واحترام. وهذا تغير كبير في موقف بنكيران الذي عاد إلى التمسك بمقولة إن على من يحب الملك أن يقول له الحقيقة، وما دام الملك فاعلا في القرار العمومي، فإنه معرّض لقانون الخطأ والصواب، مثل كل البشر.
عاد بنكيران إلى ترتيب أوراقه ومراجعة أخطائه واستخلاص الدروس من ماضيه، وهذا معناه أن داخل رأسه عقلا يفكر، بعيدًا عن الخوف والطمع، فهل يعطيه إخوانه فرصة جديدة لقيادة حزبٍ، هو الآن في مركز الحياة السياسية المغربية.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.