بنات آوى

08 اغسطس 2015
ربما علينا التعمق باليوغا الهندية (نواه سيلام/فرانس برس)
+ الخط -

كثيراً ما يتذكر جيل الثلاثينيات أو الأربعينيات اليوم "الفلقة". عرفوا "فلقة" في المدرسة وأخرى في البيت. هم أنفسهم كانوا يلعبون "الفلقات". يُنمّون رجولةً مثل الكبار. في غرفهم، كانوا يبكون. هناك، أحدٌ لا يراهم. ربما لم يعرفوا أن ذلك عنفاً بقدر ما كان يوميات. وحين أدركوا ذلك لاحقاً، تألموا أكثر. وصار العنف عادة. نغضب فنلوم الآخرين. ونحزن بسببهم. ماذا عنا؟ في داخلنا أسباب لكل شيء. نحنُ نصنع الآخرين في داخلنا أكثر منهم. نضمّهم بعنف، ونخرجهم بعنف. العقل قادرٌ على التحكم بمشاعرنا. وهذا جائز وربما صحيح. حتى أطفالنا، نحبهم كثيراً ونلومهم لأنهم غيروا حياتنا. نغضب أحياناً، وربما كثيراً، ونعاتبهم من دون قصد. لا ننتهي من ردات الفعل. ولكثرة ما نحب بعقلنا، نواجه من نحب. ولكثرة ما يحبون بعقلهم، يواجهوننا. هناكَ ثغرات في كل منا.

لنعود إلى البداية. جميعا بكينا حين أبصرنا النور، ثم استكنا في أحضان أمهاتنا. كنا نحب فقط. لا أحقاد فينا. أردنا الحب. كنا زرافات، أصحاب القلب الكبير، بحسب مارشال روزنبرغ، مؤسّس نظرية التواصل اللاعنفي. اختار الزرافة لنكون نموذجاً إيجابياً، فيما كان ابن آوى ماهراً في إطلاق الأحكام. الحياة قاسية. ولأنها كذلك، نجبر أنفسنا على أن نكون قساة مثلها. أليست الحياة للأقوى؟ وغالباً ما لا نفهم القوة إلا قساوةً أو عنفاً، من دون أن يعني ذلك الضرب أو القتل بالضرورة.

في نظريته، يقول روزنبرغ إن جميع الناس أخيار. نحتاج فقط إلى تطبيق اللاعنف في حياتنا وعدم الحكم على الناس. فلنجرب إذاً. في لبنان طاقم حاكم يبدو أنه انسلخ عن حضن أمه منذ اللحظة الأولى. إذا كنا كمواطنين مثل زرافات، لن نقول هذا. وبإيجابية مطلقة، سنفكر أنهم يفعلون ما باستطاعتهم من أجلنا وعلينا أن نكون أكثر صبراً.

بإيجابية أيضاً، سنمر بمحاذاة النفايات، ونفكر أن الطاقم الحاكم ما زال يدرس المناقصة الأفضل. وهذه المرة، سيطلق حملات توعية لبدء سياسة الفرز وإعادة التدوير. وإذا ما انقطعت الكهرباء لنحو ثماني ساعات أو أكثر في اليوم، وسط موجة الحر التي تضرب لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، ربما نتذكر زمن ما قبل اختراع الكهرباء. ألا نقول دائماً إن الماضي أجمل؟
روزنبرغ على حق. لا يجب أن نلوم الآخرين ونكون مثل ابن آوى، نقيض الزرافة. كزرافات، علينا التفكير أنه كان يمكننا أن نكون أفضل، وتحديداً أفضل منهم. أو نتعمّق باليوغا الهندية، ونفصل أرواحنا عن أجسادنا، ونفكر أن الأولى باقية والثانية فانية، وننتظر أن تتنقل روحنا إلى جسد يملك قلب زرافة، وكذلك حكامه.

اقرأ أيضاً: عالقون في الماضي
دلالات
المساهمون