هجمة كبيرة تشنّها الإدارة الأميركية على المهاجرين في الولايات المتحدة، خصوصاً من لا يملكون أوراقاً رسمية. هجمة تثير كثيراً من التعاطف
في أول خطاب له أمام الكونغرس كرئيس للبلاد، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الهجرة خصوصاً المهاجرين من دون أوراق رسمية. هؤلاء تطلق عليهم تسمية "مهاجرين غير شرعيين" التي لا تفضّل المنظمات الحقوقية والإنسانية استخدامها، وتستعيض عنها بالأشخاص "بلا أوراق". يصل عدد هؤلاء في الولايات المتحدة، بحسب تقديرات رسمية مختلفة إلى 11 مليون شخص.
أكد ترامب أنّه يريد التركيز على ترحيل هؤلاء خصوصاً من ارتكب "الجرائم". وأشار بشكل خاص إلى أفراد عصابات المخدرات وإلى المحكومين بجرائم كالقتل والسرقة وغيرهما. لكنّ التدقيق في التفاصيل يظهر أنّ القضية معقدة حتى على مستوى تعريف "الجرائم" فمخالفة سير بسيطة كركن سيارة في مكان ممنوع، تصنّف من هذه "الجرائم" على الأقل من الناحية النظرية في بعض الولايات، أو قد يستغلها بعض أعضاء الشرطة حجة لترحيل هذا الشخص أو ذاك ممن يعيش في البلاد بلا أوراق رسمية أميركية.
من يستمع إلى ترامب يتخيل أنّ جميع هؤلاء جاءوا من المكسيك وأنّ أغلبهم مجرمون. لكن، تشير إحصائيات ودراسات عديدة، منها على سبيل المثال دراسة صادرة عن المكتب القومي للإحصائيات الاقتصادية عام 2010، إلى أنّ معدل الجرائم المرتكبة بين الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة تصل إلى 3.3 في المائة، في حين لا تتجاوز بين المهاجرين 1.6 في المائة.
قضية هؤلاء تثير الجدل في الولايات المتحدة. وتبرز تساؤلات على شاكلة: "ماذا ستفعل لو علمت أنّ جيرانك الذين تعرفهم منذ أكثر من عشر سنوات مهاجرون بلا أوراق رسمية؟ هل ستقف ضد الشرطة عندما تأتي للبحث عنهم؟ هل ستتظاهر من أجلهم؟ وماذا بعد التظاهر؟". هذه التساؤلات طرحها مهاجر "بلا أوراق" يحمل شهادة في المحاماة، في اجتماع في بروكلين بمدينة نيويورك، حول المساعدة التي يمكن أن يقدمها سكان الحي نفسه للمهاجرين "بلا أوراق".
وينظم "اتحاد نيويورك للمهاجرين" دورات تدريبية ومحاضرات لتوعية المهاجرين "بلا أوراق" حول حقوقهم وطرق التصرف إذا جاءت الشرطة للقبض عليهم. كذلك، تحاول هذه المؤسسة ومؤسسات أخرى بناء شبكات أمان بين سكان المنطقة المولودين في الولايات المتحدة أو المهاجرين القانونين من جهة، وبين الذين "بلا أوراق" من جهة أخرى لخلق جو من الألفة والحماية.
اقــرأ أيضاً
في أول خطاب له أمام الكونغرس كرئيس للبلاد، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الهجرة خصوصاً المهاجرين من دون أوراق رسمية. هؤلاء تطلق عليهم تسمية "مهاجرين غير شرعيين" التي لا تفضّل المنظمات الحقوقية والإنسانية استخدامها، وتستعيض عنها بالأشخاص "بلا أوراق". يصل عدد هؤلاء في الولايات المتحدة، بحسب تقديرات رسمية مختلفة إلى 11 مليون شخص.
أكد ترامب أنّه يريد التركيز على ترحيل هؤلاء خصوصاً من ارتكب "الجرائم". وأشار بشكل خاص إلى أفراد عصابات المخدرات وإلى المحكومين بجرائم كالقتل والسرقة وغيرهما. لكنّ التدقيق في التفاصيل يظهر أنّ القضية معقدة حتى على مستوى تعريف "الجرائم" فمخالفة سير بسيطة كركن سيارة في مكان ممنوع، تصنّف من هذه "الجرائم" على الأقل من الناحية النظرية في بعض الولايات، أو قد يستغلها بعض أعضاء الشرطة حجة لترحيل هذا الشخص أو ذاك ممن يعيش في البلاد بلا أوراق رسمية أميركية.
من يستمع إلى ترامب يتخيل أنّ جميع هؤلاء جاءوا من المكسيك وأنّ أغلبهم مجرمون. لكن، تشير إحصائيات ودراسات عديدة، منها على سبيل المثال دراسة صادرة عن المكتب القومي للإحصائيات الاقتصادية عام 2010، إلى أنّ معدل الجرائم المرتكبة بين الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة تصل إلى 3.3 في المائة، في حين لا تتجاوز بين المهاجرين 1.6 في المائة.
قضية هؤلاء تثير الجدل في الولايات المتحدة. وتبرز تساؤلات على شاكلة: "ماذا ستفعل لو علمت أنّ جيرانك الذين تعرفهم منذ أكثر من عشر سنوات مهاجرون بلا أوراق رسمية؟ هل ستقف ضد الشرطة عندما تأتي للبحث عنهم؟ هل ستتظاهر من أجلهم؟ وماذا بعد التظاهر؟". هذه التساؤلات طرحها مهاجر "بلا أوراق" يحمل شهادة في المحاماة، في اجتماع في بروكلين بمدينة نيويورك، حول المساعدة التي يمكن أن يقدمها سكان الحي نفسه للمهاجرين "بلا أوراق".
وينظم "اتحاد نيويورك للمهاجرين" دورات تدريبية ومحاضرات لتوعية المهاجرين "بلا أوراق" حول حقوقهم وطرق التصرف إذا جاءت الشرطة للقبض عليهم. كذلك، تحاول هذه المؤسسة ومؤسسات أخرى بناء شبكات أمان بين سكان المنطقة المولودين في الولايات المتحدة أو المهاجرين القانونين من جهة، وبين الذين "بلا أوراق" من جهة أخرى لخلق جو من الألفة والحماية.
يأتي المهاجرون إلى تلك الاجتماعات ويشرحون ظروفهم ويتحدثون عن مشاعرهم، ويحاولون أن يجدوا من يرغب من سكان المنطقة في حمايتهم أو استضافتهم في بيته لمنع التفتيش ودوريات الشرطة المختصة من الوصول إليهم. من بين من حضروا أحد الاجتماعات تلك أنطونيو من المكسيك. وتحدث أنطونيو إلى الحضور، ومعظمهم من سكان الحي الأميركيين والمهاجرين الشرعيين، حول وضعه ووضع عائلته.
يصف أنطونيو لـ "العربي الجديد" ذلك الوضع: "توقفت زوجتي تماماً عن الخروج من البيت منذ تولي ترامب الرئاسة. غيّرت رقم هاتفها وسجلت الرقم باسم ابنتنا الكبرى المولودة في الولايات المتحدة وتحمل جنسية أميركية. وفعلت الأمر نفسه بالنسبة إلى الفواتير الأخرى كالكهرباء والماء والغاز. تخرج من البيت فقط مرتين في الأسبوع للعمل في تنظيف البيوت لكنّها لا تريد أن تخاطر وتقبل العمل لدى أيّ عائلة جديدة. العائلات التي تعمل لديها منذ سنوات تعرف أنّنا بلا أوراق رسمية في الولايات المتحدة". يسكت أنطونيو ثم يضيف: "تعيش زوجتي وكأنّها في سجن. تسدل الستائر طوال اليوم، وتخاف من التحدث إلى الغرباء وترفض حتى الخروج إلى السوق. تحاول قدر الإمكان عدم لفت الانتباه كي لا تقابل أي شخص أو شرطي يشكّ أنّها بلا أوراق".
يعيش أنطونيو وزوجته منذ أكثر من 20 عاماً في الولايات المتحدة. لديهم ثلاثة أطفال جميعهم ولد هنا، ما يجعل الصغار أميركيين، لكنّ الوالدين اللذين جاءا إلى نيويورك بتصاريح عادية ولم يسعيا إلى تثبيتها أو تصحيح وضعهما، هما من المهاجرين "بلا أوراق". وبالتالي، هما مهددان أكثر من أي وقت مضى تحت إدارة ترامب بالترحيل.
يعمل أنطونيو في أحد المطاعم في منطقة بروكلين: "أعمل هناك منذ الظهيرة حتى منتصف الليل. المطعم لا يبعد أكثر من ربع ساعة مشياً عن بيتنا. ربع الساعة هذا أمضيه ليلاً خائفاً من توقيف أحدهم لي وسؤالي عن أوراقي. ربع ساعة أشعر فيها بكلّ ثانية، وأقلّب سيناريوهات مختلفة. ماذا عليّ أن أفعل لو قبضت الشرطة عليّ أو أوقفني أحد وسألني عن اسمي وأوراقي؟ كنت أعمل في المطبخ وأحياناً أخرج للمساعدة في تنظيف الطاولات، لكنّي الآن خائف من شكّ أحدهم بي وإبلاغ الشرطة. صاحب المطعم كان يعتمد عليّ كذلك لجلب أغراض من أماكن مختلفة، لكنّه قلّص ذلك الآن. هناك شعور قوي بالخوف... رعب أنّ كلّ شخص غريب ربما يكون شرطياً متخفياً أو واشياً".
لا يخرج أنطونيو مع زوجته في الوقت نفسه كي يتفادى ترحيلهما معاً في حال القبض عليهما، وهذه استراتيجية يتبعها كثيرون.
في هذه اللقاءات يتبادل المشاركون أرقام الهواتف والمعلومات وينظمون أنفسهم في مجموعات. يقول أحد المنظمين: "ندرك أنّ من سيقدمون المساعدة ليسوا جميع المشاركين، لكنّ هذه اللقاءات تكسر جزءاً من حاجز الخوف لدى المهاجرين لأنّها تعطيهم الشعور أنّهم ليسوا وحدهم وأنّ هناك من يهتم بهم وأنّ لهم جيراناً يمكن أن يدقوا بابهم ويطلبوا المساعدة إن احتاجوا إليها".
تعطي هذه الاجتماعات نوعاً من الدعم لهؤلاء وتخفف من خوف كثيرين من بينهم. تتحدث نتاليا، وهي أميركية تسكن في منطقة الاجتماع، إلى "العربي الجديد" عن سبب تلبيتها الدعوة: "لم ألتقِ يوماً بشخص قال إنّه بلا أوراق. وعندما سمعت أنّ عددهم في نيويورك وحدها نصف مليون ذهلت. أردت أن أعرف من هم هؤلاء؟ إنّهم أناس عاديون مثلي، جاءوا إلى هذه البلاد لأنّهم حلموا بحياة أفضل، وعندهم الآن أولاد أميركيون... لكنّ عائلاتهم مهددة بالانفصال والتفكك. أشعر بمرارة لمجرد التفكير أنّني لو كنت مكانهم فإنّ شخصاً ما يمكنه أن يبعدني عن أولادي ويرحّلني إلى مكان آخر. صعب أن أتخيل كيف يمكن لإنسان أن يعيش عشرين سنة في الظل".
هاجس الاعتقال
أصدرت مدينة نيويورك، قبل أكثر من سنتين، بطاقات هوية لسكانها، بمن فيهم الذين "بلا أوراق". هذه الهويات تعني للمهاجرين "بلا أوراق" أنّ المدينة تملك أسماءهم وعناوينهم ما يسهّل اعتقالهم، ولو أنّ عمدة المدينة بيل ديبلازيو أعلن رفض التعاون مع الشرطة الفدرالية، المسؤولة عن ضبط المهاجرين، ورفض تسليم أي معلومات حولهم.
اقــرأ أيضاً
يصف أنطونيو لـ "العربي الجديد" ذلك الوضع: "توقفت زوجتي تماماً عن الخروج من البيت منذ تولي ترامب الرئاسة. غيّرت رقم هاتفها وسجلت الرقم باسم ابنتنا الكبرى المولودة في الولايات المتحدة وتحمل جنسية أميركية. وفعلت الأمر نفسه بالنسبة إلى الفواتير الأخرى كالكهرباء والماء والغاز. تخرج من البيت فقط مرتين في الأسبوع للعمل في تنظيف البيوت لكنّها لا تريد أن تخاطر وتقبل العمل لدى أيّ عائلة جديدة. العائلات التي تعمل لديها منذ سنوات تعرف أنّنا بلا أوراق رسمية في الولايات المتحدة". يسكت أنطونيو ثم يضيف: "تعيش زوجتي وكأنّها في سجن. تسدل الستائر طوال اليوم، وتخاف من التحدث إلى الغرباء وترفض حتى الخروج إلى السوق. تحاول قدر الإمكان عدم لفت الانتباه كي لا تقابل أي شخص أو شرطي يشكّ أنّها بلا أوراق".
يعيش أنطونيو وزوجته منذ أكثر من 20 عاماً في الولايات المتحدة. لديهم ثلاثة أطفال جميعهم ولد هنا، ما يجعل الصغار أميركيين، لكنّ الوالدين اللذين جاءا إلى نيويورك بتصاريح عادية ولم يسعيا إلى تثبيتها أو تصحيح وضعهما، هما من المهاجرين "بلا أوراق". وبالتالي، هما مهددان أكثر من أي وقت مضى تحت إدارة ترامب بالترحيل.
يعمل أنطونيو في أحد المطاعم في منطقة بروكلين: "أعمل هناك منذ الظهيرة حتى منتصف الليل. المطعم لا يبعد أكثر من ربع ساعة مشياً عن بيتنا. ربع الساعة هذا أمضيه ليلاً خائفاً من توقيف أحدهم لي وسؤالي عن أوراقي. ربع ساعة أشعر فيها بكلّ ثانية، وأقلّب سيناريوهات مختلفة. ماذا عليّ أن أفعل لو قبضت الشرطة عليّ أو أوقفني أحد وسألني عن اسمي وأوراقي؟ كنت أعمل في المطبخ وأحياناً أخرج للمساعدة في تنظيف الطاولات، لكنّي الآن خائف من شكّ أحدهم بي وإبلاغ الشرطة. صاحب المطعم كان يعتمد عليّ كذلك لجلب أغراض من أماكن مختلفة، لكنّه قلّص ذلك الآن. هناك شعور قوي بالخوف... رعب أنّ كلّ شخص غريب ربما يكون شرطياً متخفياً أو واشياً".
لا يخرج أنطونيو مع زوجته في الوقت نفسه كي يتفادى ترحيلهما معاً في حال القبض عليهما، وهذه استراتيجية يتبعها كثيرون.
في هذه اللقاءات يتبادل المشاركون أرقام الهواتف والمعلومات وينظمون أنفسهم في مجموعات. يقول أحد المنظمين: "ندرك أنّ من سيقدمون المساعدة ليسوا جميع المشاركين، لكنّ هذه اللقاءات تكسر جزءاً من حاجز الخوف لدى المهاجرين لأنّها تعطيهم الشعور أنّهم ليسوا وحدهم وأنّ هناك من يهتم بهم وأنّ لهم جيراناً يمكن أن يدقوا بابهم ويطلبوا المساعدة إن احتاجوا إليها".
تعطي هذه الاجتماعات نوعاً من الدعم لهؤلاء وتخفف من خوف كثيرين من بينهم. تتحدث نتاليا، وهي أميركية تسكن في منطقة الاجتماع، إلى "العربي الجديد" عن سبب تلبيتها الدعوة: "لم ألتقِ يوماً بشخص قال إنّه بلا أوراق. وعندما سمعت أنّ عددهم في نيويورك وحدها نصف مليون ذهلت. أردت أن أعرف من هم هؤلاء؟ إنّهم أناس عاديون مثلي، جاءوا إلى هذه البلاد لأنّهم حلموا بحياة أفضل، وعندهم الآن أولاد أميركيون... لكنّ عائلاتهم مهددة بالانفصال والتفكك. أشعر بمرارة لمجرد التفكير أنّني لو كنت مكانهم فإنّ شخصاً ما يمكنه أن يبعدني عن أولادي ويرحّلني إلى مكان آخر. صعب أن أتخيل كيف يمكن لإنسان أن يعيش عشرين سنة في الظل".
هاجس الاعتقال
أصدرت مدينة نيويورك، قبل أكثر من سنتين، بطاقات هوية لسكانها، بمن فيهم الذين "بلا أوراق". هذه الهويات تعني للمهاجرين "بلا أوراق" أنّ المدينة تملك أسماءهم وعناوينهم ما يسهّل اعتقالهم، ولو أنّ عمدة المدينة بيل ديبلازيو أعلن رفض التعاون مع الشرطة الفدرالية، المسؤولة عن ضبط المهاجرين، ورفض تسليم أي معلومات حولهم.