12 يوليو 2024
بلاهة استدعاء تدخل تركي في اليمن
تبدو شهية تركيا مفتوحةً أكثر من أي وقت مضى للتدخل في الدول العربية. دائماً ما كانت تحضر تعبيرات من قبيل "حماية الأمن القومي" و"عدم المساس بخطوطنا الحمراء" في أحاديث المسؤولين الأتراك وتبريراتهم. وإذا كان الأمر مفهوماً، ولو جزئياً، في ما يتعلق بالحدود مع سورية والعراق، حيث تعتبر أنقرة أن وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني على مقربةٍ من حدودها أمراً لا يمكن السماح به، فضلاً عن استنادها إلى اتفاقاتٍ وُقِّعَت مع البلدين سابقاً، فإن تساؤلاتٍ مشروعة تطرح عن حجم تمدّد تدخلها بعد انخراطها في الصراع الليبي ولا قانونيته.
تنتشر منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تدعو تركيا إلى التدخل في اليمن تحت وسم (هاشتاغ) #اليمن_تناشد_بتدخل_تركيا. مع العلم أنه لم يصدر أي موقف رسمي، أو حتى تلميح، تركي يوحي بوجود مثل هذه النية، بينما لم تستدع هذه الدعوات أي تعليق من أنقرة ينهيها في مهدها. ولذلك، فإن نقاش هذه الدعوات لا يتعلق بموقف أنقرة، بقدر ما يرتبط بمدى بلاهة من يقف وراءها.
يستمد المنادون بالتدخل التركي في اليمن موقفهم مما يرونه نجاحاً تركياً في ليبيا، بعدما تمكّنت أنقرة من قلب موازين القوى، بوقوفها إلى جانب حكومة فائز السراج وإلحاق ضربة قاسية بمشروع خليفة حفتر الانقلابي الساعي إلى السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس بدعم من حلفائه الإقليميين، مصر والإمارات والسعودية. تحديداً.
لكن أصحاب هذه الدعوات، وإن كانت أصواتهم محدودة وتعرّضت لانتقادات عدة، يغفَلون عن حقيقة أن هذا الانخراط التركي لم يكن كرمى لعيون حكومة الوفاق في ليبيا فقط، بل لأن مصالح أنقرة في المتوسط تستدعي ذلك قبل أي شيء آخر. كذلك فإنهم يتجاهلون عن قصر نظر الاختلاف الجذري بين الوضعين، اليمني والليبي، حتى إذا فكرت أنقرة في مثل هذا التدخل.
على عكس حالة حكومة فائز السراج المعترف بها دولياً، التي وقّعت اتفاقاً أمنياً مع تركيا أتاح للأخيرة رمي ثقلها العسكري في طرابلس، فإن هذا الأمر لن يتوافر في اليمن. الحكومة اليمنية، وهي معترف بها دولياً، مقيمة في الرياض. ومهما بلغت خلافاتها مع الإمارات، التي لا توفر فرصة لتقويض شرعيتها، من خلال حلفائها الانفصاليين والمليشيات التي تدعمهم، لن تكون قادرة، حتى وإن رغبت، على الرغم من استبعاد مثل هذا الاحتمال، على أن تتجاوز السعودية وتُقدم على مثل هذه الخطوة، فبأي ذريعة يريد هؤلاء استدعاء التدخل التركي؟
والأهم من ذلك كله، طبيعة الحرب، أو بشكل أدق الحروب، القائمة في اليمن. في ليبيا يبدو الصراع واضحاً بين طرفين محليين، شرعي وآخر انقلابي، ويحظى كل منهما بدعم قوى إقليمية ودولية، ومناطق نفوذها وسيطرتهما محدّدة، ولذلك كانت المعارك التي خاضتها قوات "الوفاق"، بتخطيط وإسناد تركيين، لإبعاد مقاتلي خليفة حفتر عن العاصمة، قادرة على تحقيق نتائج. أما في الحالة اليمنية، فالوضع يختلف جذرياً. بدل الطرفين المتحاربين توجد أطراف متحاربة، تختلف هويتها من محافظة إلى أخرى ومن حيّ إلى آخر، فكيف يا تُرى سيكون التدخل العسكري التركي؟ هل يتصوّر هؤلاء مثلاً أن تخاض معارك بين الأحياء في عدن، أو لحج، أو أبين، أو سقطرى، أو شبوة، أو تعز. وبمن ستُخاض هذه المعارك؟ هل سيتطوّع المنادون بالتدخل التركي في مليشياتٍ تموّلها وتدعمها أنقرة، وتضاف إلى قائمة طويلة من المليشيات في البلاد، أم يتوقعون استقدام مرتزقة من سورية لقتال خصومهم، كما حصل في ليبيا؟
بعد ست سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، بات واضحاً أنها تحوّلت إلى مستنقع قادر على إغراق كل من يفكر في الاقتراب منه. وجميع من تدخلوا في اليمن في هذه الحرب لم يزيدوا، بسبب أطماعهم، أوضاع اليمنيين إلا سوءاً، وليس في ذلك أي استثناءات.
يستمد المنادون بالتدخل التركي في اليمن موقفهم مما يرونه نجاحاً تركياً في ليبيا، بعدما تمكّنت أنقرة من قلب موازين القوى، بوقوفها إلى جانب حكومة فائز السراج وإلحاق ضربة قاسية بمشروع خليفة حفتر الانقلابي الساعي إلى السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس بدعم من حلفائه الإقليميين، مصر والإمارات والسعودية. تحديداً.
لكن أصحاب هذه الدعوات، وإن كانت أصواتهم محدودة وتعرّضت لانتقادات عدة، يغفَلون عن حقيقة أن هذا الانخراط التركي لم يكن كرمى لعيون حكومة الوفاق في ليبيا فقط، بل لأن مصالح أنقرة في المتوسط تستدعي ذلك قبل أي شيء آخر. كذلك فإنهم يتجاهلون عن قصر نظر الاختلاف الجذري بين الوضعين، اليمني والليبي، حتى إذا فكرت أنقرة في مثل هذا التدخل.
على عكس حالة حكومة فائز السراج المعترف بها دولياً، التي وقّعت اتفاقاً أمنياً مع تركيا أتاح للأخيرة رمي ثقلها العسكري في طرابلس، فإن هذا الأمر لن يتوافر في اليمن. الحكومة اليمنية، وهي معترف بها دولياً، مقيمة في الرياض. ومهما بلغت خلافاتها مع الإمارات، التي لا توفر فرصة لتقويض شرعيتها، من خلال حلفائها الانفصاليين والمليشيات التي تدعمهم، لن تكون قادرة، حتى وإن رغبت، على الرغم من استبعاد مثل هذا الاحتمال، على أن تتجاوز السعودية وتُقدم على مثل هذه الخطوة، فبأي ذريعة يريد هؤلاء استدعاء التدخل التركي؟
والأهم من ذلك كله، طبيعة الحرب، أو بشكل أدق الحروب، القائمة في اليمن. في ليبيا يبدو الصراع واضحاً بين طرفين محليين، شرعي وآخر انقلابي، ويحظى كل منهما بدعم قوى إقليمية ودولية، ومناطق نفوذها وسيطرتهما محدّدة، ولذلك كانت المعارك التي خاضتها قوات "الوفاق"، بتخطيط وإسناد تركيين، لإبعاد مقاتلي خليفة حفتر عن العاصمة، قادرة على تحقيق نتائج. أما في الحالة اليمنية، فالوضع يختلف جذرياً. بدل الطرفين المتحاربين توجد أطراف متحاربة، تختلف هويتها من محافظة إلى أخرى ومن حيّ إلى آخر، فكيف يا تُرى سيكون التدخل العسكري التركي؟ هل يتصوّر هؤلاء مثلاً أن تخاض معارك بين الأحياء في عدن، أو لحج، أو أبين، أو سقطرى، أو شبوة، أو تعز. وبمن ستُخاض هذه المعارك؟ هل سيتطوّع المنادون بالتدخل التركي في مليشياتٍ تموّلها وتدعمها أنقرة، وتضاف إلى قائمة طويلة من المليشيات في البلاد، أم يتوقعون استقدام مرتزقة من سورية لقتال خصومهم، كما حصل في ليبيا؟
بعد ست سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، بات واضحاً أنها تحوّلت إلى مستنقع قادر على إغراق كل من يفكر في الاقتراب منه. وجميع من تدخلوا في اليمن في هذه الحرب لم يزيدوا، بسبب أطماعهم، أوضاع اليمنيين إلا سوءاً، وليس في ذلك أي استثناءات.